رياضة

الأسطورة بيليه.. لاعب القرن الذي لن تنساه ملاعب الكرة

منذ بداية مشواره داخل المستطيل الأخضر، خطف إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو، أو بيليه، الأنظار وأصبح أحد أشهر أساطير كرة القدم على مر العصور.

« الجوهرة السوداء » توفي عن عمر ناهز 82 عاما بعد صراع طويل مع مرض السرطان.

ولد النجم الأسطوري بيليه وكأن بين قدميه كرة قدم؛ إذ في كل تمريرة أو هدف سجله داخل المستطيل الأخضر، كان بيليه مميزا وأثبت أنه لاعب كرة قدم من طراز فريد، بل وربما لم يتكرر ولن يتكرر.

ومنذ البداية خطف بيليه الأنظار ونال إعجاب عشاق الساحرة المستديرة ليس فقط في البرازيل وإنما في كل أنحاء العالم حتى بعد اعتزاله.

وفي كتاب صدر عام 1984 بمناسبة مرور 80 عاما على إنشاء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جرى الإشادة بأسطورة كرة القدم البرازيلية باعتباره الشخص الذي جعل من كرة القدم شكلا من أشكال الفن واختاره الفيفا كأفضل لاعب كرة قدم في القرن العشرين.

كما اختير من قبل اللجنة الأولمبية الدولية في عام 1999 كأحد أفضل رياضيي القرن العشرين بجانب محمد علي كلاي وغيره.

لماذا سمي بيليه بهذا الاسم؟

ولد بيليه أو إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو في 23 من أكتوبرعام 1940 في قرية تُسمى « تريس كوراكويس » فيما سُمي بهذا الاسم تيمنا بالمخترع الأمريكي توماس أديسون الذي اخترع المصباح الكهربائي.

لكن الأسطورة البرازيلي اشتهر باسم « بيليه »، والذي لا يزال يمثل لغزا حتى بالنسبة لبيليه نفسه.

إلا أن النظرية الأكثر شيوعا تقول إن بيليه عندما كان طفلا كان معجبا بحارس مرمى فريق والده والذي كان اسمه « بيلي »، لكن بيليه الطفل في ذاك الوقت كان يخطئ في نطق اسم لاعبه المفضل فكان ينطقه « بيليه » ليصبح هذا الاسم ملازما له طيلة حياته.

في عام 1956، تعاقد نادي « سانتوس » البرازيلي مع بيليه، الذي أحرز هدفا في مرمى نادي « سانتو أندريه » وهو في سن الخامسة عشر.

وسرعان ما خطف بيليه أنظار مدرب منتخب البرازيل ليتم استدعاؤه وهو في سن السادسة عشر، حيث ظهر لأول مرة على المستوى الدولي ليسجل هدف راقصي السامبا الوحيد أمام الأرجنتين، التي فازت بالمباراة بنتيجة هدفين مقابل هدف واحد.

الفوز بكأس العالم ثلاث مرات

وبعد ذلك بعام وتحديدا في عام 1958، كان بيليه ضمن تشكيلة المنتخب البرازيلي المشارك في نهائيات كأس العالم بالسويد، رغم أنه بدأ المنافسات على دكة الاحتياط، لكنه سرعان ما اقتحم المستطيل الأخضر ليسجل ستة أهداف في أربع مباريات ليساعد منتخب « السيليساو » للفوز بالبطولة.

وخلال المباراة النهائية ضد البلد المضيف، برع بيليه وأظهر مهارات كروية ساحرة ليثبت للعالم ميلاد نجم في عالم الساحرة المستديرة.

وفي البرازيل، كان بيليه محبوبا منذ بداية حياته الكروية حتى أن حكومة البرازيل أعلنت في إحدى المرات أن مهاجمها الجديد الذي لم يتجاوز في ذاك الوقت من العمر عشرين عاما يعد « ثروة قومية » للوقوف دون رحيله إلى الخارج، فيما كان يحظى خلال سفره باستقبال حافل وكأنه ملك أو رئيس دولة.

ومثل مونديال 1962 في تشيلي، خيبة أمل للمهاجم بيليه إذ أنه رغم فوز البرازيل بالبطولة، إلا أن بيليه غاب عن المشاركة بعد إصابته في المباراة الثانية من دور المجموعات.

لكن سرعان ما ساعد بيليه منتخب البرازيل في الفوز ببطولة كأس العالم للمرة الثالثة في مونديال المكسيك عام 1970 ليختتم الأسطورة البرازيلية مشواره مع منتخب « السيليساو » بعد ذلك بعام.

وبهذا يكون بيليه هو اللاعب الوحيد في تاريخ الكرة حتى الآن، الذي فاز بكأس العالم ثلاث مرات.

رقم صامد منذ أكثر من نصف قرن

كانت مباراة اعتزال بيليه هي المشاركة الدولية رقم 92 له مع منتخب البرازيل، فيما احتشد 180 ألف مشجع في ملعب ماراكانا الشهير في ريو دي جانيرو لتوديع الأسطورة البرازيلية.

ورغم اعتزاله اللعب مع البرازيل في سن مبكر، إذ لم يكن قد أتم بعد عامه الحادي والثلاثين، حفر بيليه اسمه بأحرف من ذهب حيث سجل 77 هدفا في رقم قياسي لم يتمكن أي لاعب برازيلي من كسره، حتى وفاته.

يشار إلى أن النجم البرازيلي نيمار، الذي انضم لمنتخب البرازيل عام 2010، قد عادل عدد الأهداف الدولية التي سجلها بيليه لمنتخب البرازيل بعدما سجل هدفا أمام كرواتيا في ربع نهائي كأس العالم الذي استضافته قطر في نونبر ودجنبر 2022، قبل أن يودع الفريق البطولة بركلات الترجيح في نفس المباراة.

وجاءت أهداف نيمار في 124 مباراة، أي ما يزيد بـ 32 مباراة عن بيليه.

لماذا اعتزل بيليه؟

ورغم مرور أكثر من نصف قرن على مباراة 1971، إلا أن سبب اعتزال بيليه ما زال يكتنفه الكثير من الغموض وسط أقاويل بأن السبب ربما كانت خلافات بينه وبين رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم آنذاك جواو هافيلانج.

وأرجع بيليه نفسه السبب وراء اعتزاله إلى أسباب سياسية، إذ قال إنه لم يكن يرغب في دعم المجلس العسكري في بلاده آنذاك.

ورغم الاعتزال الدولي، إلا أن بيليه واصل مسيرته الكروية في الدوري البرازيلي، لكن لا يُعرف بالتحديد عدد المباريات التي شارك فيها أو الأهداف التي أحرزها لناديه سانتوس إلا أن الأرقام الرسمية تشير إلى أن بيليه سجل 1088 هدفا مع النادي في 1114 مباراة.

وخلال مشواره داخل المستطيل الأخضر، كان التاسع عشر من نونبر عام 1969 موعدا لاحتفال الجماهير بالهدف رقم 1000 الذي سجله بيليه ضد فريق « فاسكو دا غاما »؛ لتحتفل البرازيل بأسرها بهذا الرقم، حتى إن أجراس الكنائس قُرعت ابتهاجا في ذلك اليوم.

لكن فيما بعد تبين أن هذا الهدف لم يكن الهدف الألف الذي يحرزه بيليه بل كان الهدف ألف واثنين.

الاحتراف في أمريكا

قضى بيليه 18 عاما من مسيرته الكروية في نادي سانتوس، من عام 1956 حتى عام 1974، لينتقل بعدها في عام 1975 إلى اللعب في الولايات المتحدة مع نادي « نيويورك كوزموس »، حيث أنهى مسيرته عام 1977، فيما قال أحد أصدقاء بيليه إن المال كان وراء هذا الانتقال.

جنى بيليه من التواجد في نادي « كوزموس » ملايين الدولارات سنويا، فيما كان تعاقده الأعلى في ذاك الوقت، لكنه ساعد على تعزيز شهرة ونشر كرة القدم في الولايات المتحدة إلى جانب أسطورة كرة القدم الألمانية « القيصر » فرانز بيكنباور، المتوج بلقب كأس العالم في 1974.

ورغم مرور الأعوام وتعاقب لاعبين كبار في عالم كرة القدم، إلا أن بيليه لا يزال يُعتبر على نطاق كبير « المهاجم الأكثر اكتمالا على الإطلاق »، فيما قد ينافسه في ذلك أسطورة الأرجنتين دييغو مارادونا.

بيليه…الوزير والسفير

بعد مسيرة كروية حافلة، شغل بيليه عددا من المناصب بما في ذلك سفيرا للنوايا الحسنة في منظمة اليونسكو ووزيرا استثنائيًا للرياضة في البرازيل في منصب استغله لمحاربة الفساد في عالم كرة القدم في بلاده.

وامتلك بيليه شركة تلفزيونية، فيما قام بنشر سير ذاتية عن حياته فيما خاض أيضا غمار العمل السينمائي وحصل على أرقى الجوائز الرياضية والإعلامية في العالم.

وفي إحدى المرات، قال بيليه « يريد كل طفل في العالم أن يلعب كرة القدم مثل بيليه، ولهذا أتحمل على عاتقي مسؤولية أن أكون ليس فقط لاعب كرة قدم جيد وإنما أن أكون إنسانا جيدا ».

وعلى الصعيد الشخصي، تزوج بيليه ثلاث مرات فيما كانت آخر زواج له في عام 2016، عندما تزوج وهو في الـ75 عاما من مارسيا سيبيلي اوكي، التي كانت تصغره بـ 25 عاما.

أنجب بيليه العديد من الأطفال سواء من زواجاته الثلاث أو من علاقات خارج إطار الزواج.

محاربة السرطان ومشهد النهاية

وكما واجه بيليه خصومه ببسالة داخل المستطيل الأخضر، واجه أيضا العديد من الأمراض بقوة مماثلة في أعوامه الأخيرة.

ففي عام 2012، خضع لعملية جراحية في الفخذ ثم عانى من التهابات في المسالك البولية وخضع لجراحة لإزالة حصوات الكلى، لكن المعركة الكبرى التي خاضها كانت ضد مرض السرطان.

وفي مقابلة مع محطة  » قناة « تي في جلوبو » البرازيلية في فبرايرعام 2020، قال نجله إيدينيو إن بيليه « مكتئبا ومنعزلا » ويشعر بالحرج بسبب تدهور حالته الصحية.

في شتنبر 2021، تم في مستشفي ألبرت أينشتاين في ساو باولو استئصال ورم بالقولون للنجم الأسطوري المصاب بالسرطان، ليتابع بعدها العلاج الكيماوي للسرطان.

وكان بيليه يتردد على المستشفى بشكل دوري لمتابعة حالته، فقد عانى بعد ذلك من مشاكل في القلب وتورم عام في الجسم.

ومع بداية الشهر الجاري دجنبر أُعلن عن تدهور حالة بيليه وحاجته للرعاية الصحية على مدار الساعة في المستشفى، حيث كان يعاني من التهاب في الرئة.

لكن ذلك لم يمنعه من إرسال دعمه إلى لاعبي منتخب بلاده قبل مواجهة كوريا الجنوبية بمونديال قطر، قائلا على « تويتر »: « سأشاهد المباراة من المستشفى وسأعمل على تشجيع كل واحد منكم. حظا سعيدا! ».

تلقى اللاعبون الرسالة وردوا عليها بأحسن ما يمكن ففازوا على كوريا بأربعة أهداف مقابل هدف وبعد المباراة حملوا لافتة تحمل اسم وصورة بيليه وهو يحتفل بهدفه في نهائي العام 1970 على إيطاليا عندما حقق لقبه الثالث في كأس العام.

لكن الفريق خرج من مونديال قطر من ربع النهائي، وبقي بيليه في المستشفى طيلة الوقت حتى أعلن مستشفي ألبرت أينشتاين الخميس عن وفاته، عن عمر يناهز 82 عاما.

جوناثان هاردينج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
حمل تطبيق آراء الآن