رياضة

ندوة ترصد جدل الرياضة والسياسة مغاربيا

عقدت منظمة العمل المغاربي ندوة علمية تحت عنوان “الرياضة والسياسة في السياق المغاربي”، بمركز الندوات التابع لجامعة القاضي عياض بمراكش، بمشاركة عدد من الباحثين من حقول معرفية مختلفة.

في كلمته الافتتاحية للندوة، اعتبر الدكتور إدريس لكريني، رئيس منظمة العمل المغاربي، أن الإشعاع المتزايد للرياضة في شكلها الفردي والجماعي جعلها محلّ اهتمام متزايد من قبل رجال السياسة، مبرزا أن الرياضة إلى وقت قريب كانت تمثل عامل تلطيف للأجواء المغاربية والتحسيس بالمشترك الشعبي رغم كل الصعاب، محذرا من تداعيات إقحام الرياضة في السياسة واستغلالها بشكل بشع لتكريس العداء والصراع بين الشعوب، أو جعلها منبرا لتمرير خطابات الكراهية ودق طبول الحرب، مشيرا إلى أن المنظمة ترفض هذه التوجهات، وأن الهيئة المدنية المغاربية عازمة على مواصلة العمل الذي أسست من أجله رغم كل الصعوبات، داعيا النخب المغاربية المثقفة إلى تحمل مسؤولياتها في هذه المرحلة العصيبة.

وأبرز الدكتور محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق بمراكش، في تفاعله بشأن متلازمة السياسة والرياضة، أن علاقة السياسة بالرياضة تبقى علاقة استغلال لجلب المواطنين ولإضفاء الشرعية عبر استغلال الحمولة السياسية لإخفاء الصورة الحقيقية للعديد من الأنظمة، كما أن الرياضة وسيلة للتموقع الجيو-استراتيجي، فهي تخاطب الوعي الجماعي بالعمل على استغلال الإنجازات أو لتجاوز الإخفاقات التي تحدد مصير الأنظمة، ليخلص إلى أن الرياضة أصبحت قوة ناعمة للتفوق الاستراتيجي باستغلال نقاط القوة والسيطرة على الساحة من خلال النشاطات الرياضية المختلفة. كما تطرق للمفارقات القائمة بين الترويج للمكتسبات الرياضية والتعتيم الحاصل على مستوى مؤشرات التنمية.

أما الدكتور مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، فقد استهل مداخلته المعنونة بـ”التداعيات والأبعاد النفسية-الاجتماعية للإنجاز الرياضي المغربي في السياق السياسي والمجتمعي الراهن”، بتطرقه للعلاقة بين علم النفس والرياضة، موردا أن الفرحة التي برزت خلال “المونديال” هي عابرة ترتبط بالهروب من المشاكل الاجتماعية والمعاناة الفردية، ولا يمكن أن تخفي واقع الحرمان والمعاناة.

كما أبرز أن النفسية الاجتماعية تهتم بمساهمة الرياضة في التقارب من خلال عوامل أيديولوجية خفية، سرعان ما أذكت الصراع بين البلدان من خلال تبني تمثلات ذهانية غير موجودة في الأصل، مشيرا في هذا السياق إلى ما قامت به الجزائر على مستوى إقحام صراعات في السياسة ثم الرياضة بين شعبي الجزائر والمغرب.

من جانبه أكد الدكتور محسن الأحمادي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الحقوق بمراكش، من خلال مداخلة عنونها بـ”الكاريزما: الإبداع الكروي والقيم الثقافية”، أن الرياضة أصبحت فرصة للتعبئة الاجتماعية، واعتبر أن تناول موضوع الكاريزما ينبغي أن يكون في إطار تفكير هادئ، بعيدا عن الانفعال اللحظي، مبرزا أن الإبداع الرياضي هو حالة كاريزماتية، مشيرا في هذا الشأن إلى الإنجاز التاريخي للمنتخب الوطني باعتباره ظاهرة كاريزمية تسقط قناع العقل وتظهر الذات الفردية كجزء من الذات الجماعية؛ فالفرد لا يغير التاريخ بقدر ما تغيره القوى الرياضية والسياسية… الجماعية، وخلص إلى أن الرياضة شكل من أشكال التعبئة الجماعية التي تتداخل فيها عوامل عدة، مضيفا أن المنتخب المغربي في كأس العالم ومن خلاله المغاربة جسدوا القيم الثقافية والموروث المغربي، ما جعل الشعوب المغاربية والإفريقية تتباهى بهم وتشجعهم.

وأشار الدكتور عبد الصمد الكباص، باحث وإعلامي، في مداخلته تحت عنوان “الصراع السيميائي في كأس العالم بقطر: أسئلة المنافسة الرياضية والاحتكاك القيمي”، إلى أن الصراع السيميائي في الرياضة يتأثر بالعوامل التاريخية؛ فالرياضة هي عنف مقنن، باعتبار أن تصريف العلاقة مع الآخر لا يمكن أن يكون إلا منافسة فيها الهزيمة والنصر، كما لفت إلى أن كأس العالم بقطر عرف صراعات سيميائية عديدة؛ أولا من خلال دعم المثليين من طرف دول أوروبية، إلى اتهام قطر بعدم احترام حقوق العمال وموت العديد منهم أثناء تشييد ملاعب كأس العالم، لكن قطر نجحت إلى حد ما في حربها السيمائية بالردّ بطرق متعددة، بداية من الافتتاح بالآيات القرآنية، إلى ارتداء أحسن لاعب في كأس العالم “ليونيل ميسي” الزي القطري، موردا أن أهمية هذه الارتدادات السيميائية امتدت أيضا عند استقبال الملك محمد السادس لاعبي الفريق الوطني المغربي رفقة أمهاتهم كرسالة واضحة في هذا الصدد.

وفي ختام الندوة، قدم الدكتور المدني بنحيون، باحث خبير اقتصادي ومالي، في مداخلته حول اقتصاد الرياضة كعامل للنمو والوظائف التي يجب العمل على تقييمها، شرحا مفصلا حول الاقتصاد العالمي وتحدياته، وكذلك الاقتصاد المغربي الذي يعاني من تبعات جائحة كورونا ومن تباطؤ الاقتصاد العالمي والحرب الأوكرانية الروسية، ومن ارتفاع سعر المحروقات في سنة 2022، مشيرا إلى أن الإرادة السياسة يجب أن تكون في مستوى التعامل التجاري والاقتصادي للرفع من قيمة الاقتصاد المغربي. كما تطرق لدور الرياضة في الاقتصادات، وما تشكله من قيمة مضافة يمكن استغلالها في الرفع من المداخيل، وذلك عبر مجموعة الإجراءات كالاهتمام بالملاعب وتأهيلها لاحتضان الملتقيات الدولية، وتبديل الرؤية للرياضة المغربية باستغلال المواهب، ثم تقنين مجموعة من الرياضات ورعايتها، والاهتمام بملاعب القرب، وإتاحة تدخل الجماعات الترابية كشريك لتأهيل الرياضات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى