سياسة

بنطلحة يكتب: التاريخ كما أحكيه لولدي (2): رمزية عيد الاستقلال

حدثني أبتي عن معنى عيد الاستقلال؟ لماذا نحتفل به؟ وماهي رمزيته في الوجدان المغربي؟

عيد الاستقلال يا بني مناسبة تحتفل بها أغلب الشعوب بتاريخ استقلالها واستعادة حريتها من استعمار أجنبي أو وصاية خارجية، وتتخذ معظم الدول هذا اليوم عطلة رسمية وطنية، ومن هذه الدول بلادنا المغرب التي تحتفل في كل 18 نونبر من كل عام بعيد الاستقلال، والذي احتفل به لأول مرة سنة 1956 تخليدا لذكرى عودة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه إلى المغرب، وذلك بعد أن كان منفيا في مدغشقر عندما كان المغرب يرزح تحت الحكم الفرنسي، حيث أعلن الملك بعد عودته من المنفى استقلال المغرب من الحكم الفرنسي والأسباني الذي دام مدة 44 سنة.

إن عيد الاستقلال يا بني احتفال بملحمة وطنية تتجدد كل يوم، تجسد مواقف ودروس بليغة وبطولات عظيمة وتضحيات جسام وأمجاد تاريخية خالدة صنعتها ثورة الملك والشعب، حيث خلد المغاربة أروع صور الوطنية والوفاء من أجل عزة الوطن وكرامته والدفاع عن مقدساته.

لكن لماذا تم استعمار بلادنا يا أبتي؟ هل من خطأ ارتكبناه؟

-أبدا أبدا يا بني، أجدادك لم يرتبكوا أخطاء، بل ناصروا الأشقاء الجزائريين في محنتهم، إنها أنفة المغرب وشموخه على مر التاريخ… ارفع رأسك عاليا لأنك مغربي تنتمي إلى هذا الأطلس الشامخ..

لقد شوقتني يا أبتي، أريد أن أعرف هذا التاريخ المغربي التليد، هل تشرحه لي؟

بعد أن دخل المستعمر الفرنسي الجزائر سنة 1830، لم تجد المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر من سند إلا في أشقائهم بالمغرب وسلطانه الذي احتضنهم وأمدهم بالعتاد والمؤونة، الأمر الذي أثار عليه هجوم الفرنسيين في موقعة إيسلي، وتلك كانت بداية دخول الأجنبي إلى بلاد المغرب.

لقد ذكر الأمير عبد القادر أكثر من مرة في مراسلاته مع العاهل المغربي قيمة الإمدادات المتنوعة التي وردت إليه من فاس ونوه بها بل كان في فاس مبعوث من الأمير عبد القادر يتولى دور السفير لدى المخزن السلطاني (تاريخ وجدة أنكاد في دوحة الأمجاد لصاحبه الدكتور عبد الحميد العلوي).

لقد بعث السلطان بمحلته بقيادة ابنه محمد متوجها إلى الشرق معلنا الجهاد كاتبا لولي عهده بالأمر: “فلتكتب لعمال الثغور وعمال القبائل الموالية لها بإظهار القوة الإسلامية والجيوش الإيمانية وعمارة السواحل بالخيل والرماة، فإن ذلك مما يقوي سواد المسلمين ويفت في أعضاء الكافرين”. (المصدر: إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس، عبد الرحمان بن زيدان).

في نفس الوقت اخترق القادة الفرنسيون الحدود المغربية لمطاردة المجاهدين الجزائريين على أراضيه، وبعث القائم بأعمال فرنسا في الجزائر “الماريشال بيجو” لعامل وجدة يخبره: “سيكون لي الحق في التدخل… لأقنع القبائل المهاجرة الجزائرية بأنها في قبضتي في كل مكان..” (المصدر: مراسلات خاصة ووثائق الماريشال بيجو”).

وفي يوم 6 غشت 1844 راسل الماريشال بيجو الأمير المغربي، قائلا: “إنها المرة الأخيرة التي ألتمس منك ردا شافيا وصريحا حول إبعاد عبد القادر من المنطقة، وإن لم أتوصل بالرد الشافي في ظرف أربعة أيام فسأتقدم بجيش لأطالب به”. (المصدر: مراسلات خاصة ووثائق الماريشال بيجو).

وبالفعل لم يرد الأمير المغربي على ذلك المطلب. وفي يوم 14 غشت 1844 تقدمت جيوش الماريشال بيجو في جنح الظلام نحو وجدة معلنة بداية معركة انكسر فيها الجيش المغربي منهزما أمام تطور السلاح الفرنسي، وبعدها بأشهر وقع المغرب مكرها معاهدة للامغنية التي مهدت للتوغل الأوروبي في البلاد إلى حين إعلان الحماية الفرنسية سنة 1912.

وكيف واجه أجدادي المستعمر الفرنسي؟

أجدادك يا بني جسدوا ملحمة وطنية كبرى في المقاومة، حيث قاموا بأكبر التضحيات في التحام رائع بين العرش والشعب، ومن هذه البطولات معارك الهري وأنوال وبوغافر وجبل بادو وسيدي بوعثمان ووادي زم وانتفاضة قبائل آيت باعمران وانتفاضة الشيخ ماء العينين بالأقاليم الصحراوية الجنوبية وغيرها من المحطات التاريخية التي لقن فيها المجاهدون للقوات الاستعمارية دروسا بليغة في الصمود والمقاومة والتضحية، ومن تجليات النضال الوطني إقدام صفوة من قادة الحركة الوطنية على تقديم وثيقة الاستقلال إلى سلطات الحماية يوم 11 يناير 1944 بتشاور وتنسيق مع المغفور له محمد الخامس، وما أعقب ذلك من ردود فعل عنيفة من السلطات الاستعمارية، حيث تم اعتقال بعض قادة وزعماء ورجال الحركة الوطنية والتنكيل بالمغاربة الذين عبروا عن دعمهم للوثيقة التاريخية، كما نفي ملك البلاد محمد الخامس طيب الله ثراه وأسرته إلى مدغشقر.

إن الاسثتناء المغربي تمثل يا بني في ثورة الملك والشعب حيث خلد المغاربة بمداد الفخر والاعتزاز أبهى وأجمل الملاحم في الدفاع عن الوطن وكرامته.

الوطن الوطن كلمة رددتها كثيرا يا أبتي؟ أريد أن أعرف جيدا معنى الوطن؟
الوطن يا بني هو الفضاء الذي تعيش فيه بأمان وحرية وكرامة، يحضن آمالك وأحلامك، ويحمي حقوقك ويصون عرضك وشرفك، إنه الأرض التي نفترش ثراها، والروح التي تحوم حولنا تشاركنا أحزاننا وأفراحنا وتغفر لنا أخطاءنا، إنه الراية التي ترفرف عاليا في السماء لتذكرك بأنك تنتمي لوطن يحميك وتستظل بظله، إنه الحضن الدافئ والبلسم الذي يداوي جراح الحياة، إنه يتباهى بك فردا من أفراده وجنديا على حدوده، إنه الحب الحقيقي والهواء الذي نتنفسه والحرية التي من خلالها نمارس وجودنا كما نشاء.. إنه رمز الهوية والتاريخ والعيش المشترك في إطار لحمة وطنية مقدسة، إنه شجرة تنتصب شامخة تكسر العواصف بعضا من أغصانها لتنبت بدلا عنها غابة من أشجار سامقة لاتأبه للرياح…

والوطن يا بني ليس كلمة تقال ولكنه ملحمة تعاش، إنها يا بني روح ووفاء وسمو وانتماء وولاء..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
حمل تطبيق آراء الآن