آراء

بنطلحة يكتب: حينما بكى الوزير الأول الجزائري

بيان السياسة العامة للحكومة الذي يقدمه الوزير الأول الجزائري يجب أن يتضمن حصيلة الإنجازات المحققة في مختلف المجالات، خاصة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والتي تعتبر تجسيدا للأهداف التي تم تحديدها مسبقا في مخطط عمل الحكومة.

يأتي هذا طبقا لأحكام المادة 111 من الدستور الجزائري الذي ورد في فقرته الأولى أنه “يجب على الوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب الحالة، أن يقدم سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة”.

هكذا نجد أن الوزير الأول الجزائري مطالب بتقديم حصيلة العمل الحكومي والحلول اللازمة وكذا الأهداف الاستراتيجية التي ينوي تحقيقها، معززا ذلك بالأرقام والإحصائيات. لكن مربط الفرس أنه ورغم كل ماذكرناه، فالوزير الأول الجزائري أيمن عبد الرحمان، ظهر مؤخرا يذرف الدموع وهو يرد على النواب بعد مناقشة عرض بيان السياسة العامة الذي تقدم به مؤخرا.

لقد بدا مرتبكا خجولا عند حديثه عن نقص المواد الاستهلاكية في السوق، وقال مخاطبا النواب: “أتقدم باعتذار لكل رب بيت وربة بيت وجدوا صعوبة في الحصول على بعض المواد واسعة الاستهلاك”، قبل أن يتوقف عن الحديث حيث ظهر يبكي على ركح البرلمان في مشهد سريالي زاده تأجيجا وحماسا التصفيق الحار من النواب لهذا العرض المسرحي السخيف، ولتكتمل الفرجة أوعز المخرج إلى المعارضة البرلمانية الممثلة في حركة مجتمع السلم أن تتراجع عن دور إيداع “ملتمس الرقابة” الذي يهدف إلى سحب الثقة من الحكومة، مبررة قرارها بأن الوقت غير مناسب وفقا لرئيس الكتلة البرلمانية.

وللعلم فإذراف الدموع حرفة سياسية جزائرية بامتياز، تمتح من قاموس الشعبوية والديماغوجية من أجل دغدغة واستمالة عواطف الجماهير… لقد سبق للوزير الأول الجزائري السابق عبد العزيز جراد أن انبرى هو الآخر في ذرف الدموع بعد انتهاء عرض الفيديو التوثيقي الذي أمر الرئيس تبون بإنجازه وبثه في لقائه مع الولاة، والذي يستعرض المشاكل الاجتماعية بالجزائر، حيث ظهر أن الشعب الجزائري يعيش ظروفا غير إنسانية لا يعيش فيها حتى الحيوان، حسب تعليق معد التقرير، حدث هذا في الوقت الذي كان فيه التلفزيون الجزائري الحكومي يتحدث عن الجنة التي أنجزها الجنرالات.. لقد كان حريا بدل التباكي وإذراف الدموع فتح نقاش وطني مسؤول يبحث عن حلول لهذه المشاكل والمعاناة، لكن التجأ السيد جراد إلى النحيب معلنا بذلك عجزه وفشله أمام كبار الحاضرين الذين بدوا وياللغرابة والسخرية وكأنهم يكتشفون الجزائر لأول مرة.

إن الضحك على الذقون صناعة جزائرية بامتياز، حيث سبق لوزير التجارة السابق أن وصف الطوابير بـ”السلوك الحضاري الذي يقضي على الفوضى والتهافت على شراء السلع”، كما أن الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى سبق وسخر من الجزائريين سنة 2018 قائلا: “ماشي لازم الشعب يأكل الياغورت”، فضلا عن تشريده لعشرات الآلاف من العمال الجزائريين بعد تسريحهم وغلق حوالي ثلاثين ألف مؤسسة وتجويع ملايين العائلات، قبل أن يقر زيادة في أسعار الحليب والياغورت والأجبان بـ5 دينارات، أي بزيادة 33,33 بالمائة.

إن طوابير الحليب والزيت والدقيق عنوان لفشل ذريع للحكومة وللمتحكمين في قصر المرادية، الذين لا هم لهم سوى تكديس الثروات على حساب معاناة الشعب الشقيق.

السيد الوزير الأول، لقد سبق لك أثناء مناقشة قانون مالية لسنة 2021 أن أوهمت الشعب الجزائري بأن الجزائر يمكنها أن تكون في وقت قريب في مستوى نمو الدول العشرين وبدأت تتماهى مع الدور المنوط بك حتى خلنا أن الجزائر هي الجنة الموعودة وأنها أرض الخلاص… فإذا بنا نتفاجأ في 2022 بنحيبك وبكائك وضعفك الذي يظهر فشل مشروع حكومي بنى أوهاما خططتها على رمال الشاطئ أقدام، وهل يثبت ركن له الرمال دعام؟ على حد قول الشاعر.

السيد الوزير الأول، إن المسؤول صاحب ولاية عامة، وليس مهرجا في سيرك بهلوانات، أو ساحرا فاشلا يحاول أن يخدعنا بإحياء الأموات. السيد الوزير الأول كان عليك وأنت تعترف بفشل برنامجك الحكومي أن تستقيل بشرف، لأن التضخم قد بلغ مداه والدولة في طريقها إلى الإفلاس ومافيا الجنرالات تعيث في الأرض فسادا.

إن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري يجب أن تظل في صلب اهتمامات السياسات العمومية، وتدبير الشأن العام لاي مارس بإذراف دموع التماسيح، إنه إعلان عن فشل سياسي واقتصادي واجتماعي في بلد تحقق فيه مبيعات البترول والغاز ملايين الدولارات.

احتفظ بدموعك، العرض المسرحي أصبح مملا وسخيفا والجمهور بدأ يصيح ويصرخ على الأحلام المصادرة والأماني المغتالة وعلى مستقبل شعب يسيرون به إلى الخراب والدمار.

الجمهور تعرف على الحبكة المسرحية الرديئة وماعاد يطيق صرف الأموال الطائلة على أسلحة الخردة حيث يعدهم الجنرالات أبطال مسرحية “القوة الضاربة” أنهم يتوجسون من لاشئ ومن كل شئ وأن حربهم المقدسة تتطلب شراء المزيد من الأصوات والذمم في مزاد علني مفضوح يتقن فيه تجار المواقف اللعب على الحبال فوق براميل الغاز التي تسيل اللعاب.

السيد الوزير الأول كان عليك وأنت تستعرض برنامجك العجائبي أن تذكر السادة النواب ببعض الملاحم التي بدأت تروج هذه الأيام، إنها خرافات جميلة ومسكنات تجلب النوم والأحلام، من قبيل ما ذكرته قناتكم الرسمية ووكالة الأنباء الرئيسية، أن الطير الأبابيل وجد بمنطقة الشلف، وأن الجزائر مذكورة في التوراة التي تحدثت عن مدينة اسمها “كتيم” وأن جبل الجودي يوجد في الجزائر حيث مرت بمحاداته سفينة نوح، وأن الرسول الكريم أوصى بالجزائر، وأنكم أصل الفراعنة ومهد الحضارات والديانات.. وأن حائط المبكى جزائري، وجبل توبقال لوحته الرياح.. و… العديد من الخرافات… لتحتفظ بدموعك لأننا نحن الأشقاء نبكي بصدق على مأساة شعب يموت واقفا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
حمل تطبيق آراء الآن