مجتمع

بنطلحة يكتب: المؤسسة الأمنية المغربية ودلالات الأمن الشامل

الدكتور بنطلحة الدكالي أستاذ العلوم القانونية وعلم السياسة بجامعة القاضي عياض مراكش

إن الدينامية الفاعلة والايجابية التي تعرفها مؤسسة الأمن الوطني المغربي، أصبحت تؤطر تدخل هذا المرفق وتمكنه من حماية الدولة المغربية، باعتبار هذه المؤسسة ضامنا لأمن الدولة والأفراد، ولمنظومة الحقوق والحريات واحترام حقوق الانسان والحريات الأساسية، وقادرة على حماية قيم المجتمع من التهديدات الخارجية.
AA
ولقد أصبحت هذه الدينامية تحتل كذلك مكانة بارزة على الصعيدين الإقليمي والدولي، مما يعكس حجم هذه المؤسسة الوطنية والاشعاع الذي بدأت تكرسه.

في هذا الإطار، تأتي زيارة العمل التي قام بها المدير العام للأمن الوطني إلى الولايات المتحدة الأمريكية يومي 13و14يونيو الجاري، تجسيدا لمتانة التعاون الثنائي الذي يجمع بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تميزت زيارة السيد عبد اللطيف الحموشي باجراء جلسات عمل ومباحثات مع كل من “أفريل هاينتر” مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية، و”ويليام بيرنر” مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، و “كريستوفر راي” مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تناولت مختلف التهديدات الأمنية والمخاطر المستجدة على الصعيدين الإقليمي والدولي والآليات والسبل الكفيلة بمواجهتها.

في هذا الاطار يجب أن نستحضر كذلك، التقرير الذي أصدرته الخارجية الأمريكية عن دور الأمن المغربي في محاربة الجرائم العابرة للحدود، وكذلك رسالة السفارة الأمريكية إلى المدير العام للأمن الوطني، والتي كلها ثناء على هذه المؤسسة الوطنية.

لقد أصبح المغرب فاعلا إقليميا ودوليا في مجال محاربة الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات وهذا ماصرح به السفير الألماني المعين حديثا ببلادنا بعد استقباله للمدير العام للأمن الوطني: “التعاون الأمني مع المغرب لاغنى عنه” وزاد: “اشتغلت على ملفات محاربة الإرهاب في افريقيا وأعرف الدور الحيوي الذي يلعبه المغرب في محاربة الإرهاب ومساعدة ألمانيا”.

ومن جهة أخرى، يلعب المغرب دورا فعالا وايجابيا في مد ألمانيا بمعطيات حساسة وايجابية منذ توقيع اتفاق التعاون الأمني سنة 2016، حيث يعتبر من أهم دعامات العلاقات الثنائية بين الرباط وبرلين خاصة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهذا مابدا جليا من خلال المعلومات التي وفرتها المملكة المغربية للحكومة الألمانية بخصوص استهدافها من طرف مجموعات متطرفة وتحديدا في سنتي 2016 و2018 الأمر الذي أسهم في تجنيب هذا البلد الأوربي هجمات خطيرة.

ويجب أن نستحضر كذلك التعاون الأمني المغربي الإسباني، حيث تربط البلدين اتفاقية حول سبل التعاون في مجال الأمن وخاصة مكافحة الجريمة المنظمة والأعمال الاجرامية لاسيما الارهاب.

لقد جنبت مؤسسة الأمن المغربي، الجار الإسباني العديد من حمامات الدم، التي كانت ستؤثر لامحالة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للجار الإسباني.

وفي غضون هذه الأيام، يتواجد في بلادنا خبراء أمنيون قطريون في ضيافة الأمن المغربي للاستفادة من دورات تكوينية في محاربة الأنشطة السيبرانية للتنظيمات الإرهابية، تنفيذا لمقتضيات التعاون الأمني التي وقعها المغرب مؤخرا مع قطر والمتعلقة بمساهمة الأمن المغربي في تأمين بطولة كأس العالم 2022 التي تعتزم قطر تنظيمها هذه السنة.

إن هذه الدينامية تعكس المفهوم الجديد للأمن الشامل، سيما في العلاقات الثنائية التي تربط المغرب بمجموعة من الدول.

لقد كان تاريخيا ينظر إلى تحقيق الأمن على أنه مسؤولية الدول الوطنية، إلا أن تطور التهديدات غير هذا الفهم فمنذ نهاية الحرب الباردة ومع تنامي ظاهرة العولمة، أصبح الوضع الدولي أكثر تعقيدا، حيث ظهور مجموعة واسعة من التهديدات والتجارة غير المشروعة والجريمة المنظمة، مما أدى إلى تغيير في طريقة صنع السياسات الأمنية، ولم يعد ممكنا لأي دولة وحدها حماية مواطنيها فقط بتعزيز آليتها الرقابية، حيث تعتمد الدول الآن على إجراءات جديدة من أجل أمنها وحتى في بعض الأحيان من أجل بقائها [François Fouinat, “A Comprehensive Framework For Human Security,”Conflict,Security& Development,vol.4,no.3 (2004):289].

هنا يبرز التداخل بين مفهومين أساسين هما: الأمن القومي (National Security) والأمن العالمي (Global Security).

إن الأمن القومي يعرف بأنه “قدرة الدولة على توفير الحماية والدفاع لمواطنيها” أما الأمن العالمي فقد جاء من الضرورة التي ألقتها الطبيعة والعديد من التحولات الأخرى، وخاصة العولمة على عاتق الدول، وهي تحولات لايملك أي جهاز للأمن القومي القدرة على التعامل معها بمفرده، وبالتالي تبرز الحاجة الى تعاون الدول، لأن الترابط العالمي والاعتماد المتبادل بين الدول الذي اختبره العالم ولازال يختبره منذ نهاية الحرب الباردة يجعل من الضروري للدول أن تتعاون أكثر وتعمل معا [Segun Osisanya,”National Security versus Global Security?,United Nations, accessed November 23,2020].

إن الانخراط الراسخ لمصالح المديرية العامة للأمن الوطني في المساعي الدولية الرامية لتحييد المخاطر والتهديدات المحدقة بالأمن الإقليمي والدولي، يجعلنا نتكلم وبفخر عن المدرسة الأمنية المغربية، كفاعل أساسي في تحقيق الأمن الشامل على المستوى القاري والدولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
حمل تطبيق آراء الآن