المرحوم سيدي محمد بن عبد القادر بينبين : الفقيه والعلامة والنابغة “مؤنس جلالة الملك الراحل المغفور له الحسن الثاني
آراء- محمد نماد • الفقيه والعلامة الحاج محمد بن عبد القادر بين بين : خصال الرجل ونباهته وخفة دمه جعلوه في علاقة جد قوية مع المغفور له الملك الحسن الثاني
• الفقيه والعلامة الحاج محمد بن عبد القادر بين بين : درس القرآن وحفظه في سن الحادية عشرة * الفقيه والعلامة الحاج محمد بن القادر بين بين : مثال للشخصية المراكشية التي احبت الباشا الكلاوي وأعجت بشعر محمد بن إبراهيم
• الفقيه والعلامة الحاج محمد بن عبد القادر بين بين : كان اخر من تحدت الملك الراحل الحسن الثاني قبل وفاته اذ كان ضمن الظيوف في حفل عشاء على شرف الرئيس اليمني عبد الله صالح
…………………………………………………….
سلسلة رجالات بلادي الأحرار هي سلسلة جد متواضعة ،نحاول من خلالها ملامسة وتسليط الضوء او اعادة تسليطه قدر الإمكان على رجالات صنعوا المجد لمدينة مراكش مدينة السبعة رجال ، وأخرجتهم عاصمة النخيل من الظل الى العلن ، حيت تركوا بصمات لن يمحوها التاريخ وستجسل في الذاكرة .
• ازداد الفقيه الحاج محمد بن عبد القادر بين بين سنة 1920 بمراكش ، طالب علم ، درس القرآن برواية المكي البصري وختمه في سن اثنتي عشرة سنة، ، حفظ رسالة أبي زيد القيرواني، وألفية ابن مالك، وحفظ ما لا يعد من المتون. بل درس اللغة الفرنسية فأحرز على الشهادة الابتدائية عام 1938، وشهادة نهاية الطور الأول من التعليم الثانوي (البروفي )عام 1940.
أصبح موظفا في مكتب البلدية. ومكت بهذا المكتب عامين. وكان الحراس من “المخازنية”يسعدون كلما كان يحل الدور علي الفقيه بين بين في المداومة ، لأنهم كانوا يقضون الليل كله في لعب “الكارطة”، وذات ليلة سأله أحد “المخازنية” قائلا “آلفقيه، لقد اختلط علي الأمر فلم أعرف عدد الركعات التي صليتها، فما هو حكم الشرع في مثل هذه النازلة؟”، فنزل عليه ذلك السؤال مثل الصاعقة، لأنه كان يعتبر نفسه مجرد طالب علم فإذا هناك من يعتبره “فقيها”. فانسل الى مكتبه ،كما يقول ، واتصل هاتفيا برئيس المجلس العلمي، وقال له “جزاك الله عنا خيرا، هذا واحد المسلم سولو واحد اليهودي” فقال له: “ومن يكون هذا اليهودي؟” فأجابه: “هو هذا لي كا يتكلم معاك!”. وطرحت عليه الإشكالية فأجابه بأن حكم الله في نازلة المخزني هو كذا وكذا. فكتب ذلك الحكم ومعه استقالته.
وفي الصباحً جاء عنده الخليفة الأول لرئيس المجلس البلدي، واستغرب لكونه لم يغادر بعد الى بيته بعد أن قضى الليل كله في المداومة، فسأله بالفرنسية “لماذا لم تغادر بعد الى بيتك بعد انتهاء مداومتك” فأجابه : “لدي أخبار تهمك” فرد قائلا: “أخبار سارة أم سيئة؟”. ولما أبلغه بأمر استقالته سأله عما هو ا فاعله، وعما إذا كان هناك ما يقلق راحته في الشغل، فأجابه بكل صراحة بأنه يريد أن يعود لمتابعة دراسته. فقال له إنه سيمنحه مهلة ستة أشهر، يظل فيها منصبيه شاغرا، تم التحق الفقيه بثانوية “ابن يوسف” عام 1943، وتخرج منها عام 1956 بالشهادة العالمية، ودرس عاما إضافيا للحصول على شهادة العالمية من الفرع الشرعي، وعاما آخر للحصول على العالمية من الفرع الأدبي، وأصبح في صف العلماء لا في صف التراجمة والكتاب. فتقدم للحصول على وظيفة في التعليم، وبما أنه كان صديقا للمرحوم عبدالله إبراهيم، فقد كتب أحد عملاء المخابرات الفرنسية على طلبه عبارة “صديق العدو عدو”. فتوسط له الباشا الگلاوي الذي كان شديد الاهتمام به حتى انه وصف الملاوي بانه احد علماء عصره الذي كان يحفظ القرآن الكريم بالروايات السبع، وكان يعرف اللغة العربية كسيبويه. وقد علمً هذا من خلال الممارسة، فذات يوم يقول بين بين لما كان في سن 15، وبينما هو عائد من المدرسة، صادف في طريقه الباشا، فنادى عله وسأله عما قرأ ذلك اليوم، فقال له لقد قرأنا قول ابن مالك الذي يجري مجرى الظن. فسأله عن الشروط فذكر أربعة هي التي علمه إياها الفقيه، عندها سأله الباشا ألم يذكر لكم الفقيه ابن عباد وسليم اللذين يجيزان القول مطلقا! عندها علم أنه عالم ”
وأصبح معلما رغم أنف الفرنسيين، ورغم أنه كان يحمل شهادة العالمية فقد عين معلما في الابتدائي، وبعد اجتياز مباراة عين معلما بالثانوي تم اضحى فيما بعد مديرا بثانوية “للامريم” بمراكش.وكان قوي الذاكرة و عمل كأستاذ في المعهد المولوي …ولما عرف بنظمه للشعر ، وكان كسائر الأدباء في عيد العرش أنشد قصائد لتهنئة الملك الحسن الثاني والذي سمع إحدى قصائده والتي مطلعها:
هل يرتديني العرش من شعرائه **** وأنا حليف الشعر تحت لوائه…
و تقول المصادر بأن سيدنا المرحوم الملك الحسن الثاني أرسل في طلبه، وسأله كم يحفظ من ديوان شاعر الحمراء، فقال له: «أحفظ سبعين حتى ثمانين في المائة مما كتبه شاعر الحمراء»، فرد الحسن الثاني «بلغني أنك تحفظ الديوان كله». فقال: «إذا قالها أمير المؤمنين فأنا أحفظه»، فكلفه الملك بجمع ديوان شاعر الحمراء رفقة مجموعة من أصدقاء هذا الأخير، وعندما قدم له الديوان طلب منه الحسن الثاني أن يكون مؤنسه.وذالك ماوقع وظل بجانبه مدة 33 سنةً ويقول بين بين دوما بأن : «هناك فرق بين المؤنسين وبينه، حيث كان الملك يتحدث معه أضافة في أمور فقهية وأدبية وشعرية» ويرتاح بين بين لزميله المؤنس احمد البيضاوي ولمؤنس اخر مصري الجنسية ،لم يحدد اسمه ، كان يحفظ عن ظهر قلب العنترية والأزلية
كان ، يلازم الملك في جميع أسفاره، بل يلازمه حتى الساعة الرابعة صباحا عندما يذهب الملك إلى فراش النوم، حيث كان يقرأ له قصائد أو مؤلفات أو مقامات حتى تحين ساعة نومه.ويزيد بان الملك الحسن الثاني كان شديد الإعجاب بقصيدة الهدهد من شعر امير الشعراء احمد شوقي
ومن الطرائف التي يرويها بين بين أن الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي عاش 103 سنوات من عمره كان كلما حل بالمغرب ينزل عند الوزير محمد باحنيني، وكان باحنيني يطيل الإشادة بالشاعر أمام الملك، فأقام الحسن الثاني لشاعر العراق مأدبة عشاء، وأراد الملك أن يقدم إليه بنبين قائلا له: «سأقدم لك جليسي ومؤنسي الفقيه بنبين وهو أكبر راوية لشعر شاعر الحمراء» فالتفت الفقيه بنبين إلى الملك وقال له: «يا أمير المؤمنين هلا قلت للشاعر إنني راوية حتى لشعره»، فالتفت إليه الجواهري متسائلا: «هل تحفظ شيئا من شعري؟» فأجابه قائلا: «المغاربة كلهم يحفظون شعرك، ويزهون به ويفخرون به ويتمثلون به»، وقال له: «اختر ما شئت من شعرك أرويه لك، أكان من النسيب أم من الغزل، بل حتى القصيدة التي بسببها نفاك نوري السعيد 40 سنة في الاتحاد السوفياتي»، فرد الشاعر قائلا: «هذا شيء أستحسنه لكن لا أعتقد أني قلت شيئا في الغزل»، فأنشده الفقيه بنبين قصيدة كان قد ارتجلها في عيد للنساء العراقيات، كان الجواهري نفسه قد نسيها.
.وعن خصال الملك الراحل يقول بنبين: «كان حليما، وكريما كرما حاتميا، ومن كرمه خصص لزاوية ابن عباس السبتي بمراكش ألف خبزة في اليوم، وما زالت جارية حتى يومنا هذا، وثور يذبح كل خميس ويوزع لحمه على الفقراء».
ورغم قرب الفقيه بين بين من الملك الراحل إلا أنه لم يكن يستطيع مفاتحته في بعض المواضيع العائلية الخاصة به ….
وتقول المصادر ، ففي اللحظة التي كان الحسن الثاني يحتفي بعيد ميلاده بقصر الصخيرات يوم 10 يوليوز 1971، والفقيه محمد بين بين بالطبع ضمن مرافقيه، كان ابن مبسط الملك الضابط عزيز بنبين يحمل رشاشا ويقتحم القصر الملكي صحبة “جنود اعبابو” من مدرسة هرمومو، الذين كانوا يفتحون نيران فوهات رشاشاتهم بشكل عشوائي على ضيوف الحسن الثاني، حيث كان ممكنا أن يجد الابن نفسه وجها لوجه مع أبيه، الذي كان يمكن أن يسقط برصاصة من فوهة رشاشة ابنه. وفي وقت كان الأب الفقيه بنبين يجد ويجتهد من أجل أن يذهب الغم عن الحسن الثاني ويضحكه، كانت زوجته وأبناؤه يبكون بالدمع الحارق لأن ابنها وأخوهم الضابط عزيز اختطف وتم ترحيله إلى احد سجون الجنوب الشرقي، ، دون أن يدلهم أحد أهو حي يرزق أم قتل ووري في لحد مجهول.
وأضافت هذه المصادر ان الفقيه بنبين لم يكن يغادر القصر الملكي إلا مرة واحدة في السنة، لمدة لا تتجاوز الأسبوعين، كان يقضي نصفها في صنع الخليع والنصف الآخر في إنعاش ذاكرته بتصيد الحكايات والطرائف بما ينفعه في مهمته الشاقة؛ لقد ظل معتقلا بالقصر لمدة 33 سنة باختياره، فيما ابنه عزيز بنبين كان معتقلا بالقوة والغصب لأكثر من 18 سنة في السجن . وتبرأ الفقيهبين بين من ابنه بعد انقلاب الصخيرات، وافترق عن أسرته وطلق زوجته، وفق ما حكاه ابنه الفنان التشكيلي والروائي الماحي بنبين الذي قاطع أباه لأكثر من 15 سنة بحكم عدم إنقاذه فلذة كبده، وذلك على لسان محمد بنبين في الرواية/ السيرة “مجنون الملك”.
ومن اصعب اللحظات التي عشتها الى جانب المرحوم الحسن الثاني،عندما كان يعتزم على تقديم استقالته من الملك لو أن المسيرة الخضراء فشلت في تحقيق مراميها، فقد كان المرحوم عازما على مصارحة المغاربة في حالة فشل المسيرة وتقديم استقالته من الملك. ، لقد كان يقول بأنه إذا نجح في المسيرة فسيكون بذلك قد قدم خدمة كبيرة للمغرب، أما إذا فشلت المسيرة فعلى المغاربة أن يبحثوا عمن يقوم مقامه. وظل ثلاثة أيام بدون طعام منهمكا في تفكير عميق. وسأذكر هنا طرفة حدثت آنذاك، فقد حل بالمغرب صحافي إسباني كبير مقرب من الملك خوان كارلوس، جاء لتغطية حدث المسيرة الخضراء، وفي الطريق الى الصحراء أعلن الملك في خطابه الشهير توقف المسيرة، فما كان من سائق السيارة التي كان يؤجرها الصحافي الإسباني إلا أن توقف، فقال الصحافي “لقد أمرنا الملك بالتوقف، ولا يمكن مخالفة أوامر الملك!
وعندما عاد الصحافي الإسباني الى ملكه قال له: “عليك أن تتنازل عن الصحراء لأهلها، فالمغاربة يعبدون ملكهم، وهم قادرون على فعل كل ما يأمرهم به” وكانت تلك من بين الأشياء الصغيرة التي كان لها تأثيرها في قضية الصحراء; وزاد قائلا كان حليما، وكريما كرما حاتميا، ومن كرمه خصص لزاوية ابن عباس السبتي بمراكش ألف خبزة في اليوم، وما زالت جارية حتى يومنا هذا، وثور يذبح كل خميس ويوزع لحمه على الفقراء.كان رجلا يحب الخير.
ومما ذكره وتراكمه عن جلالة الملك محمد السادس نصره الله اذ قال في احد المجالس الشريفة لما أكثر عليه البعض من المدح فقال لهم “ماذا تركتم لرسول الله، امدحوا رسول الله الذي هو أولى بالمدح، ونهاهم عن مدحه” وقال لهم “محمد هو رسول الله، وهو الأولى بالمدح ولست أنا!”.
توفي الفقيه الحاج محمد بن عبد القادر بين بين يوم السبت 28 سبتمبر 2008 عن سن 88 سنة، وقد ووري الثرى بمقبرة الشهداء بالرباط. جنازتة كانت رسمية حضرها مستشار الملك محمد معتصم ومدير الكتابة الخاصة للعاهل المغربي الملك محمد السادس محمد منير الماجيدي، بالإضافة إلى شخصيات كثيرة. وقد بعث الملك محمد السادس رسالة إلى أسرة الراحل.وقد أعرب لهم عن تعازيه الحارة ومواساته الصادقة لعائلة المرحوم، وقال العاهل الملكي في برقيته “بهذه المناسبة المحزنة، نعرب لمحبي جنابنا الشريف أنجاله البررة، ولا سيما منهم خديمنا الأرضى أحمد شوقي وكذا محمد نجيب والماحي، ومن خلالهم لكافة أفراد أسرته وذويه عن أحر تعازينا وصادق مواساتنا”.وأضاف أن الفقيد “سيظل الفقيد الكبير حاضرا في ذاكرة جلالتنا باعتباره من الخدام الأوفياء للعرش العلوي المجيد الذين شملهم والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه برضاه وتقديره وحظوته رعيا لما كان يتحلى به الراحل العزيز من ثقافة فقهية وأدبية واسعة، وذاكرة واعية لفنون الشعر العربي والمغربي خاصة، ولباقة نادرة في الإقناع والمؤانسة، ودماثة خلق”. وأضافت البرقية “وإذ نجدد لكم عبارات التعزية والمواساة، ندعو الله جلت قدرته أن يجعل الفقيد العزيز من عباده المقربين الذين وعدهم بالنعيم المقيم.