آراء

الد كتور بنطلحة يكتب : الاحتجاج ونظرية الحرمان النسبي

نظرية الحرمان النسبي (Relative Deprivation) صِيغَت من قبل عالم الاجتماع “صموئيل ستوفر”، وهي نظرية واسعة الانتشار في حقل السوسيولوجيا الأمريكية، تشير إلى فكرة أن مشاعر الحرمان والسخط ترتبط بنقطة مرجعية، حيث تنشأ مشاعر الحرمان النسبي عندما تتحول الرغبات إلى توقعات مشروعة.

إنها نتاج مقارنة تصاعدية تشير إلى أن وضع الحرمان الذي يعيشه الشخص غير مستحق.

لقد تناول نظرية “الحرمان النسبي” بالبحث والتدقيق السياسي الأمريكي “تيد غور” في كتابه “لماذا يتمرد البشر”، والذي يؤصل الأسباب التي تدفع الفرد أو الجماعات إلى “التمرد” على السلطة القائمة. إنها تلك الحالة التي تنتج عند عدم قدرة الفرد على تحقيق مجموعة من الطموحات، والتي يرى نفسه الأحق بها… بناءً على تقييمه لقدراته ومؤهلاته. في هذا الصدد، تتشكل لدى المرء مشاعر الحقد تجاه من يرى أنه السبب في ما آلت إليه وضعيته، ومن ثَمَّ يبحث عن الانتقام الذي يرى فيه دفاعًا شرعيًا عن النفس.

إن الناس تقارن نصيبها من السلع والخدمات وحظوظ الحياة، ليس بما كان عليه قبل، لكن بنصيب الآخرين خلال نفس المدة، وبالتالي يتشكل أكبر حافز على الشعور بالظلم والحِقد واللامساواة واللا عدالة. في هذا السياق، يرى الأستاذ عبد الرحمان رشيق أن الخطاب الاحتجاجي اغتنى بمفردات جديدة مرتبطة بالكرامة والحِقد التي تعبر عن الحرمان الاجتماعي لبعض الفئات الاجتماعية، غير الفقيرة بالضرورة، لكنها غاضبة وطامحة وحالمة تراودها الرغبة في التغيير.

إن الفعل الاحتجاجي المؤطر والمشروع ظاهرة مجتمعية طبيعية، هدفه الأساسي التعبير عن الرأي وتحقيق مطلب أو إحداث تغيير من خلال ممارسة الضغط على صانعي القرار أو لفت انتباه الرأي العام. غير أن الاحتجاج قد يكون مرده أيضًا إلى الإحساس بالحرمان النسبي الذي يعمل على توليد التوتر والغضب، ويخلق شعورًا عميقًا بالظلم وعدم المساواة، ويوفر أساسًا مشتركًا للمظالم يمكن من خلاله تعبئة الأفراد وحشدهم للمطالبة برفع التهميش والإقصاء.

إننا نجد أن القليل من الناس الذين يستطيعون الفصل البنيوي بين منظومة الدولة وبنية المؤسسة، فيصبح المحتجون حطبًا في أيدي الخصوم لضرب منظومة الوطن برمتها، حيث تلجأ جهات خارجية معادية إلى هؤلاء الساخطين والناقمين، وتعمل على توفير منصات رقمية لهم من أجل تفريغ حقدهم تجاه الدولة.

إنهم يضربون على وتر المظلومية من أجل تبرير التمرد على ثوابت ومنجزات الوطن (كأس العالم/كأس إفريقيا).

إن تاريخ المجتمعات علمنا أن العنف يهدم أكثر مما يبني، وبالتالي فإن اللاعنف ليس استسلامًا أو خوفًا أو سذاجة، بل إدراكًا للعواقب المدمرة للدولة والمجتمع، وهذا ما تعلمناه من تاريخ الشعوب….

للإشهار على جريدة آراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

حمل تطبيق آراء الآن