بنطلحة يكتب: السيادة الصحية ودورها في تحقيق الأمن الاستراتيجي
لقد تطور مبدأ سيادة الدولة تبعا لأحداث شتى عرفها التاريخ، لقد كانت فيما مضى سيادة مطلقة، ولكن خلال الحربين العالميتين أضحت سيادة مقيدة، ومن هنا وجب على مفهوم السيادة مواجهة العديد من التحديات في ظل صراع بين الدول الكبرى، يتخذ أشكالا كثيرة، الهدف منها هو الهيمنة وبسط النفوذ على العالم. ولعل اخر هذه التحديات، نجد ان جائحة كورونا التي غيرت موازين القوى حيث برز تنافس جيوسياسي بين القوى الكبرى التقليدية لتعزيز سيادتها الصحية من اجل تحقيق مكاسب استراتيجية ومادية، واصبحنا نتحدث عن مفهوم الهيمنة الصحية، حيث ان الدولة التي تملك اللقاح، تفرض ارادتها على بقية الدول.
لقد فرضت جائحة كورونا على النظام العالمي اعادة النظر في اليات اشتغال وتنظيم القطاع الصحي، حيث تحول من خدمة عامة الى احد مكونات الامن الاستراتيجي، حيث اصبح مجالا للتسابق والصراع الجيوسياسي الدولي، كما أن أزمة كورونا سلطت الضوء على الانقسامات القائمة في السياسة العالمية في سياق جيوسياسي شديد التنافسية، وغذت السيادة الصحية تشكل رقما صعبا في المعادلة الدولية.
صحيح ان مصطلح السيادة الصحية قد ظهر ابتداء من سنة 1944 عقب نشر برنامج الامم المتحدة الانمائي تقريره للتنمية البشرية، لكن هذا التعريف بقي مبهما الى ان حل زمن كورونا الذي أظهر للعالم أن البحث عن التلقيح ليس مجرد مسالة صحية بقدر ما يتعلق بالأمن القومي والسيادة والتخطيط الاستراتيجي، بحيث أثبتت الدراسات ان الدول التي لا تمتلك خططا لادارة الأزمات تعاني من الكثير من المشاكل والتبعات، لذا نجد ان التخطيط هو جهد منظم يهدف الى الوصول الى قرارات ونشاطات اساسية، مع التركيز على المستقبل وهو أسلوب لمواجهة الأزمات والتكيف مع المتغيرات المفاجئة وغير القابلة للتوقع المسبق ووضع البدائل والاحتمالات وتحديد مسارها المستقبلي من خلال التنبؤ والاختيار الاستراتيجي للفرص الموجودة.
ان التاريخ المفصلي الذي نعيشه اليوم جراء أزمة كورونا، يتطلب منا تخطيطا مبدعا واستراتيجيا للقادم من الاحتمالات، في هذا الاطار حشد المغرب كل الامكانيات والوسائل المادية والبشرية من اجل تحقيق السيادة الصحية، وفق رؤية ملكية تندرج في اطار خارطة طريق من اجل تأمين الحاجيات المستعجلة على مستوى لقاحات كوفيد19 على المستوى القريب وانتاج لقاحات المخطط الوطني للمناعة على المدى المتوسط والبعيد، من اجل بناء منصة قارية للبحث والتنمية وهو ما سيمكن من تحقيق التامين البيولوجي للمملكة، كما سيمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الامن الصحي وفق رؤية تدعو الى احداث تغيير في المنظومة القائمة مما يجعل قطاع الصحة منتجا يخلق قيمة اجتماعية وتكنولوجية واقتصادية ومنفتحا على محيطه الدولي والقاري، مما سيساهم في تعزيز مكانة المغرب الاقليمية والدولية من خلال ديبلوماسية اللقاحات، حيث يمكن مثلا للدول الافريقية ان تستفيد من هذا المشروع، حيث يجب على القطاع الصحي والصيدلي المغربي تلبية حاجيات البلدان الافريقية وهذا ما نبهت اليه لجنة النموذج التنموي في تقريرها، كما نبهت الى أهمية وتقوية السيادة الوطنية في مجال الصحة عبر تطوير صناعة صيدلية وطنية.
لقد تمكن المغرب من احتواء الجائحة والحد من اثارها على السكان والاقتصاد مت خلال تدبير استباقي مرن، وها هو عاهل البلاد في خطابه بمناسبة عيد العرش، يذكرنا أن السيادة الصحية عنصر اساسي في تحقيق الامن الاستراتيجي للبلاد، انها رؤية استراتيجية واضحة من اجل مغرب قوي قادر على ان يكون فاعلا اقليميا ومؤثرا على الصعيد الدولي وسيدا في اختيار قراراته…