آراءرياضة

جمهور الكوكب المراكشي : نموذج مشرف للتشجيع الرياضي في الموسم الاستثنائي .

بقلم : المصطفى مندخ

شهد الموسم الرياضي الحالي 2025-2026 حدثًا تاريخيًا في الكرة المغربية ، حيث تمكن نادي الكوكب المراكشي ، كأحد أقدم قلاع كرة القدم الوطنية ، من العودة إلى قسم الصفوة الاحترافي بعد سنوات من المعاناة في الأقسام السفلى . هذه العودة لم تكن مجرد إنجاز رياضي فحسب ، بل أشعلت حماسة جماهيرية استثنائية تميزت بالزخم الكبير و الحضور اللافت و المرافقة التي تخطت كل التوقعات .

لقد أصبحت المدرجات لوحة فنية حاشدة بالشعارات الحالمة و الأجواء الاحتفالية ، التي تذكر الجميع بأن التشجيع الحقيقي يقوم على قيم الاحترام و التشجيع الإيجابي بغض النظر عن النتائج الرياضية .
فبعد موسم مثالي من العمل الجاد ، تمكن الكوكب المراكشي من انتزاع بطاقة الصعود إلى القسم الأول الاحترافي ، ليعود إلى مكانه الطبيعي بين كبار الأندية المغربية . و هو إنجاز تأتى نتيجة عمل إداري و فني محكم ، انعكس على انضباط الفريق و تطور أداء اللاعبين ، و احتفل به الجمهور المراكشي في أجواء حماسية بمستطيل الحارثي ، حيث بدا واضحًا أن النادي استفاد من دعم جماهيري لم يفقد الأمل معه رغم خيبات المواسم الماضية .

و لعل ما ميز جمهور الكوكب المراكشي ، مع الإنطلاقة الإحترافية ، هو قيامه بتنقلات جماعية كبيرة لدعم فريقه خارج الديار ، خاصة في المباراة الأولى التي شهدت حضورًا جماهيريًا ضخمًا أغرق المدرجات ببحر من الألوان الحمراء و الشعارات الحالمة . هذه الحشود لم تكن فقط للدعم ، بل كانت أيضًا نموذجًا للسياحة الرياضية التي تعزز الاقتصاد المحلي و تظهر الوجه الحضاري لمراكش .

شعارات رفعت من روح اللاعبين المعنوية و أضفت جمالية على فضاء الملعب ، مما يعد بان يجعل كل مباراة تحفة بصرية و رياضية متكاملة بتشجيع منظم ودعم مستمر دون أي أعمال شغب ما يعكس ثقافة التشجيع التي هي في أساسها التزام بالسلوك المدني و نبذ للتعصب .

و على عكس ما باتت تشهده بعض الملاعب من أعمال شغب و عنف ، التزم جمهور الكوكب المراكشي بالسلوك المدني الإيجابي كعربون ثقة و رسالة واضحة بعث بها مقدما لمن يهمهم الأمر ممن كان الخلاف معهم سابقا ، حيث لم تسجل أي حوادث تعكر صفو المنافسة أو تعرقل النظام العام ، و هو الالتزام الذي يعكس الوعي المتزايد بأهمية الدور الجماهيري في دعم الفريق دون الإضرار بالمناخ الرياضي ، بل بالعكس هي لبنات أساس لطرق متأصلة و أخرى مبتكرة تضع البذور لإعداد جيل مونديال 2030 المتوقع منه أن يرسم لوحات و يكتب ملحمات سيحفظها التاريخ للأجيال القادمة ، و لِمَ لا يجعل منها مرجعا يحتذى بمدرجات وطنية و دولية ، و في ذلك فليتنافس المتنافسون .

في السياق ذاته، أظهر الجمهور تعاونًا كبيرًا و سلسا مع فرق الأمن و التنظيم ، ما يسر مهمتهم و سهل إدارتهم للحشود بشكل آمن و مريح ، و ساهم في خلق بيئة مثالية للمتعة الرياضية ، مرسخا دور الجمهور في تحفيز اللاعبين بمنسوب الدعم النفسي المعنوي ، مع ما لأثره الملموس في أداء اللاعبين ، حيث شكل حافزًا نفسيًا قويًا دفعهم إلى البذل و العطاء بكل ما يملكون من قوة بتشجيعهم المنظم و المسترسل بالهتافات الإبداعية ، بشكل ساهم في تعزيز ثقة اللاعبين بأنفسهم ، خاصة في اللحظات الحرجة للمباريات و هو ما يجب الدأب عليه بوعي و إصرار ، و قد أظهر الجمهور مرونة كبيرة في تقبل النتائج السلبية ، حيث ظل الدعم مستمرًا بغض النظر عن النتيجة كما هو الشأن عقب إضاعة ضربة الجزاء أمام فريق الوداد الرياضي البيضاوي و بعدها الخروج بهزيمة من المباراة ، مما يعكس نضجًا جماهيريًا يستحق الإشادة ، لتبقى تحديات التعصب و الجهوية محاولات فردية لا تمثل الجمهور ، كونها محاولات للتأثير السلبي ، بحيث و على الرغم من الأداء الجماهيري المتميز ، ظهرت بعض المحاولات الفردية من قبل محسوبين على الجمهورين المراكشي و البيضاوي لإثارة نعرات الجهوية و التعصب ، مستغلين بعض الهفوات العرضية ، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل أمام الوعي الجماعي لأغلبية الجمهور الذي رفض هذه السلوكيات المشبوهة ، تأكيدا لوعي جماهيري راسخ يبدو أن السنوات الصعبة التي عاشها النادي في الأقسام السفلى ساهمت في إيقاض و إنعاش الوعي الجماهيري بأهمية الدعم الإيجابي المستمر ، و أن التعصب و الجهوية لا يخدمان إلا مصالح ضيقة و يمثلان خطرًا على استقرار الفريق .

من جهة أخرى ، و تعزيزا للسياحة الرياضية ساهم الأداء الجماهيري المتميز في جذب أنظار الوسائل الإعلامية والمتابعين من خارج المدينة ، مما يعزز و يشجع على فكرة السياحة الرياضية التي يمكن أن تكون مصدر دخل مهم للمدينة و اقتصادها المحلي ، خلافا لما قد يترتب من الأثار السلبية في حال كان السلوك عكسيا . النموذج هذا يساهم في نشر قيم إيجابية تستحق الدراسة و التطوير . و تبقى تجربة جمهور الكوكب المراكشي في الموسم الحالي ، في حال استمرت و تطورت ، تمثل إحدى النماذج المشرفة للتشجيع الرياضي في المغرب و العالم العربي . لقد أثبت الجمهور أن التشجيع الحقيقي ليس فقط في الهتاف عند الفوز ، بل في الوقوف إلى جانب الفريق في كل الظروف ، مع الحفاظ على القيم الرياضية الأصيلة التي ترفض التعصب و العنف . هذه الثقافة الجماهيرية الفريدة يجب أن تكون مصدر فخر لكل المراكشيين ، و نموذجًا يحتذى به في كل الملاعب ، كما يجب على النادي و السلطات المعنية تعزيز هذا النموذج من خلال تطوير البنية التحتية باستمرار و تنظيم فعاليات جماهيرية دورية ، كما يجب العمل على تثقيف الجماهير الشبابية بأهمية التشجيع الإيجابي ، لضمان استمرار هذا الإرث الجميل لأجيال قادمة ، لأن جمهور الكوكب المراكشي لم يقدم فقط دعماً لفريقه ، بل قدّم رسالة للرأي العام بأن مراكش ليست فقط مدينة السياحة و التاريخ ، بل أيضًا عاصمة للثقافة الرياضية و الطاقة الإيجابية .

للإشهار على جريدة آراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

حمل تطبيق آراء الآن