الكوكب المراكشي : هل دخل العهد الذهبي الثالث بعد قطيعة مع “سيبة” ثلاثين سنة ؟
بقلم : المصطفى مندخ
في لحظة تاريخية مليئة بالأمل ، يتطلع أنصار الكوكب المراكشي إلى مستقبل مشرق لفريقهم العريق ، بعد سلسلة من الإجراءات الجريئة التي نفذتها الإدارة الحالية ، مما يثير تساؤلاً جوهرياً : هل دخل الكوكب المراكشي مرحلة العهد الذهبي الثالث بعد عقود من التحديات والإخفاقات؟
من “سيبة” ثلاثين سنة إلى إدارة واعية .
عانى نادي الكوكب المراكشي ، أحد أعرق الأندية المغربية ، من فترات متعاقبة من الاضطراب الإداري و المالي ، مما أدى إلى تراجعه الرياضي ونزوله إلى الأقسام الأدنى لعدة مواسم . لكن الإدارة الحالية ، برئاسة إدريس حنيفة ، قامت بسلسلة من الإجراءات المصيرية التي قد تمثل نقطة تحول في مسار النادي :
تصفية الديون : أعلن الرئيس عن سداد ديون النادي بالكامل لدى لجنة النزاعات ، والتي بلغت 19 مليون درهم ، كما قدم شكايات ضد الرؤساء السابقين بخصوص ديون إضافية تقدر بـ 28 مليون درهم .
تطهير المحيط : اتخذت إجراءات قضائية ضد المسيرين السابقين المتهمين باستنزاف أموال النادي ، في خطوة جريئة لاسترداد الأموال و ترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة .
مصالحة مع الجمهور وإحياء للذاكرة الجماعية .
في خطوة ذات رمزية قوية ، أعلنت إدارة النادي أن ملعب الحارثي التاريخي سيعود لاستضافة مباريات الفريق خلال الموسم المقبل . هذا القرار ليس مجرد توفير للنفقات فحسب ، بل هو استجابة لعاطفة الجمهور المراكشي المتعلق بهذا الملعب ، الذي شهد أمجاد الفريق في الماضي . إن فتح أبواب الملعب يمثل مصالحة حقيقية مع الجمهور ، الذي بقي وفياً للنادي رغم سنوات الغياب و التيه ، و وصفه العميد محمد الجمجامي بـ”اللاعب رقم 12″ .
طموح رياضي وبناء فريق قادر على المنافسة .
يعود الكوكب المراكشي إلى البطولة الوطنية الاحترافية ( قسم الصفوة ) للموسم 2025-2026 بعد غياب ، حاملاً طموحاً كبيراً ليس البقاء فحسب ، بل استعادة أمجاده السابقة . ويعكف النادي على :
تعزيز التركيبة البشرية بعناصر قادرة على رفع التحدي ، مع التركيز على الخبرة و الحماس لضمان التوازن داخل المستطيل الأخضر .
تطوير الأداء الهجومي والصلابة الدفاعية تحت قيادة المدرب رشيد الطاوسي ، الذي أكد أن الانضباط التكتيكي وروح المجموعة سيكونان السلاح الأبرز لمواجهة المنافسين .
الاستفادة من الخبرات التاريخية ، حيث يدرك الجميع أن منافسات القسم الأول ” تفرض متطلبات مختلفة تماماً ” عن الأقسام الأدنى ، كما ذكر عميد الفريق .
إرث تاريخي يحمل الأمل : عهود ذهبية سابقة .
يستند جمهور الكوكب المراكشي إلى إرث نادي تاريخي حافل ، كان فيه دوماً أهم الأندية المغربية :
العهد الذهبي الأول ( أواخر الخمسينات و الستينات ) : تأسس النادي عام 1947 على يد رجال بمثل النخوة والأنفة والوطنية مثل إدريس بن شقرون والحاج إدريس الطالبي . وفي هذا العهد ، توج النادي بـبطولة المغرب (1957, 1958) وكأس العرش ( 1964, 1965 ، 1963) .
العهد الذهبي الثاني (عصر محمد المديوري، 1984-1999) : شهد النادي ولادة جديدة تحت قيادة محمد المديوري ، الذي أدخل مفاهيم حديثة في التسويق والتسيير. خلال هذه الفترة ، توج النادي بلقب البطولة (1991/1992) ، و كأس العرش (1987, 1991, 1993) ، وبلغ نهائي الكؤوس المحلية عدة مرات . و لكن الأهم ، كان تحقيق كأس الاتحاد الإفريقي (كأس الكاف) عام 1996 ، ليصبح أول نادي مغربي يظفر بلقب قاري .
نظرة على المستقبل : مؤشرات إيجابية و تحديات قائمة .
المؤشرات الحالية تدعو للتفاؤل ، و لكن الطريق نحو “عهد ذهبي ثالث” طويل و وعر :
الاستقرار المالي والإداري هو الأساس الذي تُبنى عليه الأمجاد الرياضية ، و قد خطت الإدارة الحالية خطوات كبيرة في هذا الاتجاه .
الدعم الجماهيري لا يزال قوياً، كما يتجلى في متابعة آلاف المشجعين عبر منصات التواصل الاجتماعي .
الانفتاح على المحيط الاقتصادي و المحلي عبر عقد شراكات و استقطاب منخرطين جدد يمكن أن يوفر موارد مالية أكثر استقراراً ، مستفيداً من مكانة مراكش كعاصمة سياحية .
التحدي الرياضي يبقى الأصعب ، حيث يجب على الفريق المنافسة في دوري يحتوي على عمالقة الكرة المغربية. البداية ستكون مواجهة قوية ضد الوداد الرياضي ، و هي اختبار حقيقي للطموحات .
خاتمة : حلم مشروع وأمل يتجدد
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة : هل دخل الكوكب المراكشي عهده الذهبي الثالث ؟ الإجابة ليست بـ”نعم” قطعية أو “لا” نهائية بعد . لكن ما يمكن الجزم به هو أن الإدارة الحالية قد قطعت بشكل جذري مع “سيبة” الماضي ، و وضعت الأسس الأولى لانطلاقة جديدة .
الجمهور المراكشي ، الذي عاش مجد “فارس النخيل” وتألم لترديه ، يتابع بشغف كبير كل هذه التحولات الإيجابية . اللقاء الودي الجميل الذي جمعه بنادي نجم الساحل التونسي في سبتمبر 2025 ، وهو يستعيد ذكريات نهائي كأس الكونفيدرالية الأفريقية قبل ثلاثين عاماً، يغذي هذا الأمل.
إن عودة الأمجاد تتطلب وقتاً، صبراً، واستمرارية في العمل الجاد . لكن المؤشرات إيجابية، والأحلام مشروعة. طوبى لجمهوره العريق الأبي، وحظ سعيد لفارس النخيل في مشواره نحو استعادة مجده الغابر . قد نكون على أعتاب فصل جديد يضاف إلى سجل نادي عريق ، فصلٌ يُكتب بروح جديدة وإرادة صلبة .