تستعد المملكة المغربية للاحتفال بالذكرى السادسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس عرش أسلافه المنعمين، حيث تعتبر هذه المناسبة، التي تعكس ارتباط الشعب المغربي بالعرش العلوي المجيد، فرصة لتسليط الضوء على المكتسبات المحققة في المملكة بقيادة الملك محمد السادس.
وتلعب المؤسسة الملكية في المغرب دورًا محوريًا في ترسيخ الهوية الوطنية والحفاظ على وحدة الوطن واستقراره.
فالملك محمد السادس، ومنذ اعتلائه العرش، وبصفته رمزًا لوحدة الأمة وضامنًا لاستمرار الدولة، يقود بحكمة مجموعة من المبادرات والسياسات التي تهدف إلى تعزيز التلاحم الوطني وتقوية الجبهة الداخلية في مواجهة مختلف التحديات.
المؤسسة الملكية.. ركيزة أساسية للنظام السياسي المغربي
وفي هذا الإطار، قال محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ علم السياسة والسياسات العامة، ومدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء، إن المؤسسة الملكية تعتبر الركيزة الأساسية للنظام السياسي المغربي، حيث خول لها الدستور المغربي مكانة متميزة بحكم وجودها على رأس المؤسسات الدستورية، سواء على المستوى التنظيمي والمؤسساتي، أو على مستوى صلاحياتها وكيفية اشتغالها.
وأوضح بنطلحة، في تصريح لموقع “برلمان.كوم” أن الملكية دعامة تابثة من توابث التاريخ المغربي، كما إنها مكون رئيسي من مكونات الهوية المغربية، في بعدها الجماعي شكلت محور الاستقطاب الذي تتجمع حوله كل مكونات المجتمع، يقول المغفور له الحسن الثاني في كتاب” التحدي”: “ليس من قبيل الصدفة أن تظل الملكية عندنا، وقد ولدت من الشعب، متجذرة في أعماق ذلك الشعب، إن الأمر يتعلق هنا بضرورة وتاريخنا برمته يصدح بهذه الحقيقة، لم يكن للمغرب أن يكون أبدا دون وجود ملكية شعبية”.
وقال ذات الخبير، “إن المؤسسة الملكية هي التي تتوحد حولها الأمة، وتضمن وحدة البلاد واستقلالها، حيث تقوم بدور أساسي في تعزيز الوحدة الترابية، فالدينامية المتجددة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، والانتصارات الدبلوماسية التي حققتها المملكة المغربية، يظهر أن المغرب يعتمد على استراتيجية عقلانية وواقعية في تدبير علاقاته الدولية بقيادة الملك محمد السادس، وهي تعي جيدا أن هدفها الاستراتيجي يتمثل في الدفاع عن المصلحة العليا للبلاد”.
دور ريادي للملك محمد السادس في كل المجالاتوعلى جميع المستويات
وتابع الخبير، أنه في هذا الإطار جاء الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء من طرف دول ذات ثقل عالمي، انسجاما والخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، والذي أكد فيه أن” ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، كما أنه يأتي انسجاما مع الدور الريادي الذي يقوم به الملك محمد السادس، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي بفضل الزخم القوي الذي أضفاه على ملف الصحراء المغربية ومتابعته المستمرة له.
وأشار الخبير، إلى أن المملكة المغربية سطرت بفضل الرؤية السديدة لملك البلاد، برنامجا تنمويا مندمجا بالصحراء المغربية من أجل خلق فرص الشغل والاستثمار، وتمكين المنطقة من البنيات التحتية والمرافق الضرورية من أجل أن تصبح أرضا للفرص الواعدة، مما يمكن المنطقة من أن تتحول إلى جسر حقيقي للتبادل بين إفريقيا وأوروبا وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وهذا مايجسد الطموح المغربي.
ديبلوماسية مغربية أبانت عن حنكة وتبصر من خلال سياسة تدبيرية ذات رؤية استشرافية
وقال الخبير، إن مسيرة الإصلاح التي يقودها الملك محمد السادس، هي معركة تغيير مستمر من أجل تحقيق الأفضل، حيث أبان منذ توليه العرش عن رؤية بعيدة المدى، وسياسات فعالة، وقرارات وطنية ودولية شجاعة حفظت للمغرب مكانته المتميزة.
ويشهد الملاحظون والمهتمون، يوضح الخبير، أن الدبلوماسية المغربية بقيادة الملك محمد السادس، أبانت عن حنكة وتبصر من خلال سياسة تدبيرية ذات رؤية استشرافية تحمل قدرا كبيرا من التبصر والحكمة، انطلاقا من المكانة السامية التي يحظى بها ملك البلاد في النسق السياسي الدستوري للنظام السياسي المغربي.
مكانة بارزة يحتلها عيد العرش المجيد
وأكد بنطلحة، أن الأعياد الوطنية تحيل إلى حدث هام يهدف إلى استحضار التاريخ الوطني لما له من رمزية تحفز الذاكرة وتشحن الهمم وتعزز الروح الوطنية للأجيال المتعاقبة، وفي هذا السياق تأتي احتفالات المملكة المغربية بعيد العرش في الثلاثين من يوليوز من كل عام وهي ذكرى تربع عاهل البلاد على العرش.
وقال الخبير، إن المكانة البارزة التي يحتلها الاحتفال بعيد العرش تجد سندها في الدلالة الرمزية التي تمثلها هذه الذكرى في الوعي الوطني، والتي تظهر قوة الالتحام بين العرش والشعب، حيث أن فكرة تخليد ذكرى اعتلاء الملك العرش كانت مبادرة نابعة من شباب وطنيين متحمسين حين احتفلوا بشكل غير رسمي بذكرى اعتلاء السلطان محمد بن يوسف العرش بتاريخ 18 نونبر 1933، ونجد أن الدلالات الرمزية الكبرى للاحتفال بعيد العرش في التاريخ المغربي الحديث تتجسد في البيعة بين العرش والشعب، وهذا الالتحام والتشبث الراسخ بتخليد هذا العيد الوطني جريا على العادات والتقاليد العريقة للمملكة يبرهن للعالم بأسره تعلق الشعب المغربي الدائم بالعرش العلوي المجيد، وهو ما أشار إليه المغفور له الحسن الثاني في خطابه بمناسبة الذكرى الـ19 لثورة الملك والشعب سنة 1963 واصفا هذه العلاقة المتينة بالرابطة التي نسج التاريخ خيوطها بعواطف المحبة المشتركة، والأهداف الموحدة التي قامت على تقوى من الله ورضوانه، يقول المغفور له الحسن الثاني.
من جهة أخرى يعبر ولاء الشعب المغربي لملكه عن إجماع واضح حول تشبث المغاربة بالوحدة الترابية للمملكة ورغبتهم في صون حرمتها، والذود عن حماها اعتبارا لكون الملك رمزا للوحدة والتكامل والتماسك الترابي بين مختلف مناطق البلاد، كما أن الاحتفال بعيد العرش أراده المغاربة أن يكون تعبيرا عن العهد بين العرش والشعب، فمنذ عام 1934 أصبح الاحتفال به يأخذ طابعا رسميا ومؤسساتيا، وهكذا ظهر عيد العرش وتواصل سنويا كعيد رسمي يجسد شعار “الشعب بالعرش والعرش بالشعب”.
ومن الأدلة الحية على هذا الالتحام، يشير المتحدث، هو تأكيد الدساتير المغربية على روح علاقة البيعة التاريخية بين الملك وشعبه، وتنظيم المسيرة المظفرة ملكا وشعبا لاسترجاع الصحراء المغربية سنة 1975، والتصويت بأغلبية ساحقة على دستور 2011، الذي أرسى أسس دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية.
وأردف بنطلحة، أن الاحتفال بهذا العيد في عهد الملك محمد السادس، يشكل نقطة انطلاق لعهد جديد ومفهوم جديد للتعاطي مع القضايا الوطنية، والتخطيط لمستقبل البلاد برؤية استشرافية هادفة، وبلورة سياسة اقتصادية واجتماعية تهدف إلى تغيير وجه المغرب باعتباره بلدا صاعدا تواجهه العديد من التحديات، مضيفا أن المغرب نجح بفضل القرارات الجريئة والمبادرات الخلاقة للملك محمد السادس في أن يصبح قوة إقليمية لها مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، ورسخ مسار البناء الجماعي لمغرب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم.