بقلم وهيب اليترييي
في مراكش، مدينة الأضواء والسياحة الفاخرة، حيث يختلط البذخ بالفقر المدقع، يقف المواطن المقهور بين وعود الجمعيات الخيرية وسراب التنمية الاجتماعية. تلك الجمعيات التي يُفترض بها أن تكون اليد التي تمتد للمحتاجين تحولت إلى أيادٍ خفية تحركها أجندات لا علاقة لها بالمصلحة العامة. ما يظهر للناس على أنه عمل تطوعي وإنساني ما هو إلا ستار يخفي وراءه استغلالًا سياسيًا بغيضًا، حيث يُستخدم الدعم العمومي كأداة لشراء الولاءات وضمان الأصوات الانتخابية.
في مراكش هناك جمعيات بملايين وأخرى في الهامش، لا يتم توزيع الدعم العمومي على الجمعيات وفق الحاجة أو جودة العمل، بل وفق علاقات خفية تربط أصحاب القرار بالقائمين على هذه الجمعيات. هناك جمعيات تغرق في الملايين حتى اصبح رؤساءها من علية القوم بإلتقاطهم الصور لاستعراض الإنجازات، بينما ؟
عند اقتراب الانتخابات، تتحول الجمعيات إلى ما يشبه الأذرع غير الرسمية للأحزاب السياسية، حيث تبدأ الحملات تحت غطاء “العمل الخيري”. توزع القفف الرمضانية، تقام الأنشطة الترفيهية، وتُمنح المساعدات للأسر الفقيرة، لكن بشروط غير معلنة: كن وفيًا، ادعم المرشح الفلاني، ولا تنسَ لمن كان الفضل في هذا الكرم الموسمي. وهكذا، يتحول الفقراء إلى بيادق في رقعة الشطرنج السياسي، يُستغلون كأدوات للنفوذ، ثم يُتركون لمواجهة واقعهم القاسي بمجرد انتهاء موسم الانتخابات.
اين تذهب الأموال بالملايين… بلا محاسبة التي تتلقاها الجمعيات؟ كيف تُصرف؟ من يراقب ويحاسب؟ لا أحد يملك الإجابة. التقارير المالية غائبة، والشفافية مجرد كلمة فارغة في قاموس هذه الجمعيات. المسؤولون يغضون الطرف، والمجتمع يواصل الغرق في دوامة الفقر بينما يزداد رؤساء بعض الجمعيات ثراءً وقوة، ليس بفضل جهودهن، بل بفضل تحالفاتهم المشبوهة مع السياسيين الذين يستخدمونهم كأداة لحماية مصالحهم.
لم نعد نعرف هل جمعيات فروع حزبية مقنّعة؟ لم يعد خافيًا أن بعض الجمعيات في مراكش تعمل كامتداد مباشر لأحزاب معينة، تدير حملاتها وتلمّع صورتها في الأحياء الشعبية، مستغلة ضعف الناس وحاجتهم. بدل أن تكون الجمعيات قوة ضغط لإصلاح السياسات العامة، أصبحت مجرد أبواق دعائية تُستخدم لتمرير الوعود الكاذبة، تُغرق المواطنين في الأوهام بينما تستمر معاناتهم اليومية.
أملي الوحيد هو أن يستفيق المواطنون من هذا الاستغلال الممنهج، وأن تُفرض قوانين صارمة تضمن استقلالية الجمعيات وشفافيتها. المجتمع المدني الحقيقي لا يُبنى على الاستغلال، بل على المسؤولية والنزاهة، وعلى الجمعيات أن تختار: إما أن تكون صوتًا للمحتاجين، أو أن تبقى مجرد أدوات رخيصة في لعبة السياسة القذرة.