أشرف السليطين الأمغاري / آراء
يشكل موضوع التوسع العمراني ، تحديا حقيقا لبلادنا بل يعتبر مظهراً حقيقياً للتنمية حيث دخل المغرب مند منتصف القرن ال20 مرحلة تمدن سريعة ، وتعتبر مراكش حاضرة معنية بهذا الزخم المتسارع حيث توسعت المدينة على هوامش متاخمة و ازداد الطلب على الوعاء العقاري و تم تشييد الكثير من المشاريع الاستثمارية والعقارية وتطورت المنشآت السياحية بشكل لافت.
توسع مراكش عمرانيا و إزدياد الطلب على العقارات فرضته سياقات متلاحقة ، منها سمعة المدينة كوجهة سياحية عالمية ، و أيضا باعتبارها دائرة استقطاب مؤهلة بالنظر لحجم التجهيزات التي تتوفر عليها العاصمة السياحية .
هذا التوسع العمراني الذي طبع المظهر العام لمدينة مراكش ، يشكل تحديا حقيقا ما نتج عنه استهلاك للاحتياطات العقارية على حساب الأراضي الزراعية والمساحات الخالية ” الخصبة”، التي تحولت إلى بنايات إسمنتية، ازدادت توسعاً يوماً بعد يوم؛ علاوة على ارتفاع كلفة التدبير الحضري، وضعف نجاعة الخدمات العمومية .
إن التحدي الأكبر لمدينة مراكش في مواجهة سيف التوسع العمراني هو خط التوازي الذي يضمن مدن حضرية تتمتع بتنسيق و جمالية و تخطيط حضري يعطي أفضلية للمواطنين من خلال توفير الحياة الهادئة و المتوازنة بفضاءات متناسقة وبيئة نظيفة ومساحات خضراء هي أساس الحياة اليومية .
وعلى الرغم من أن التوسع العمراني بمراكش حقق طفرة تنموية واستثمارية في مشاريع البنية التحتية و الخدمات و السياحة وغيرها إلا أن المطالب تبقى ملحة بتعزيز دينامية حضارية تحترم البيئة و تعطي الأولوية للمساحات الخضراء و تضمن المصالحة مع البيئة بعيداً عن هوس العقارات الاسمنتية و الزحف المتواصل ..
مراكش البهية لطاما ارتكزت على حزام أخضر متماسك وفرشة مائية واسعة، أعطت بهجة في خضرتها و تنوع بيئتها و انتشار مساحاتها الخضراء بنقاط متفرقة من تراب المدينة الساحرة ، لكن الواقع اليوم دقّ ناقوس الخطر خصوصا في مناطق معينة أضحت روتينا مستنسخا بصورة كربونية لتجزئات عقارية و مساحات أسمنتية زاحفة توغلت بصورة كبيرة تلبية للتهافت الكبير على وعاء مراكش العقاري.
الفاعل الجمعوي ك . غ ، أورد، في تصريح لجريدة آراء ، أن المتتبع للمجال الحضري بمدينة مراكش، سوف تسترعي انتباهه ملاحظتان أساسيتان؛ تتعلق الأولى بالتزايد الملفت للمباني الاسمنتية في شكل نمطي واحد مع تغييب مرافق ترفيهية وبيئية.
أما الملاحظة الثانية، بحسب المتحدث، فترتبط بضعف المساحات الخضراء والحدائق العمومية في نطاق هذه التجزئات و المباني المشيدة بسرعة سيما المتواجدة بتراب المحاميد او سيدي يوسف او بابواب جيليز، “اذ رغم وجود بعض المجالات المعروفة والمتوارثة بأرجاء متفرقة بالمدينة،والتي غالبا ما تشهد اكتظاظاً في أوقات معينة سيما في فصل الصيف، مما يجعل الساكنة تبحث عن مجالات خضراء خارج المدينة” .
ساكنة مراكش و العارفين بقيمة الطبيعة و البيئة و ضرورة الحياة المتوازنة و السليمة ، اعتبروا الأمر تحديا يستوجب نقطة مراجعة، ولحظة مصالحة مع الطبيعية وإيقاف تحول مراكش الى فضاءات غير ملاءمة للعيش و نسخ من الإسمنت البارد.
في السياق ذاته تبنت جمعيات حقوقية تعنى بالبيئة هذا الطرح ودافعت عنه بقوة مؤكدين على” تضرر الغطاء النباتي بمساحات مراكش الخضراء وإختفاء غلافها النباتي وتحولها لمطارح عشوائية ومرابط للدواب والحيوانات الشاردة، وزحف الكتل الإسمنتية على مجموعة من الجنانات والعراصي والمنتزهات التاريخية، بفعل تغول مافيا العقار وتراخي السلطات المحلية والمنتخبة في وقف زحف البنايات في كل الإتجاهات خصوصا المجالات الخضراء وعلى حساب أشجار معمرة كشجر الزيتون والأوكالبتوس .”
واضافت الجمعيات المعنية انه بسبب” غياب اطار قانوني واضح يحدد مجال التوسع العمراني لمدينة مراكش وعدم احترام ما تم تحديده سابقا واحة سيدي يوسف بن علي نموذجا وانتشار التجزئات السكنية بجغرافيا كانت إلى وقت قريب سلة مراكش الغدائية بالمحاميد وبإتجاه الحوز وجماعات غرب مراكش كجماعة السعادة والسويهلة وهي اراضي زراعية على حساب الأراضي البورية الصالحة للبناء .” فأن الواقع ينذر بالكارثة.
و يبقى أهم تحدي بالنسبة لمسؤولي المدينة و المختصين في النخطيط ان يعززوا تدبيرهم الحضري للمدينة وان يكونوا على قدر من الوعي بخطورة الزحف العمراني على المساحات الخضراء ، و ان يستحضروا خطاب جلالة الملك محمد السادس الذي شدد فيه على أن “تنمية مدننا لا يمكن أن تتم بدون إعطاء الأهمية لساكنتها، وبدون جعلها فضاء للإدماج والمشاركة المواطنة”؛ في حين عبر عن طموحه إلى “مدن خضراء، مدن تخلق في الإنسان روح الإبداع والتحضر، وروح التسامح والتعاون”. ” مقتطف من الرسالة السامية التي وجهها الملك إلى المشاركين في المنتدى الوزاري العربي الثاني للإسكان والتنمية الحضرية 2017.