آراء

بنطلحة يكتب: الجزائر وأوهام الزعامة

على الصعيد النفسي نجد أن «ذا الوجهين» يعد من صفات الشخصيات النرجسية التي تتميز بتضخم «الأنا» المفرط والمبالغة في تعظيم الذات حتى لو كانت بسيطة أو حتى منعدمة، والطلب من الآخرين أن يعاملوه بطريقة تعبر عن مكانته العظيمة.

سمة «ذي الوجهين» تنطبق كذلك على بعض الأنظمة السياسية، وعلى رأسها النظام العسكري الجزائري، الذي سوق خطابا إيديولوجيا فيه نوع من الرومانسية الثورية التي ترى في النموذج الكوبي صورة لما يريدون أن يروا الجزائر عليه، وأنهم «ليسوا فقط مجرد حركة تحرر وطني»، بل إنهم «نموذج ملهم لبناء التنظيم الثوري لكتائب المجاهدين»… إنهم «مكة الثوار» و«قبلة الثورات» و«أرض الجماجم والشهداء»…والكثير من الشعارات، حتى أنهم أطلقوا وصف «الشهيد» على طائر «بلارج».

اليوم تطالعنا صحيفة «الشروق» الجزائرية، التي تصف نفسها أنها سليلة الاشتراكية العالمية، وهي إحدى الأبواق الرسمية للنظام العسكري الجزائري بمقال يحمل عنوان: «الجزائر وأمريكا: ماهي خلفيات المسار الجديد؟» بقلم نبيل كحلوش.

يذهب صاحبنا، في مقاله، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، الامبراطورية التي تتربع على نصف العالم تقريبا، معرضة لأعباء إضافية في إدارة الأزمات في العالم، وبالأخص تلك التي لها طابع توازن القوى، مما يؤدي إلى فقدان التوازن الذي يؤدي إلى انتشار بؤر التوتر في العالم، ويضيف: «هذا، وسيفقد نموذجها مصداقيته بأنها قادرة على حل أزمات العالم ونشر السلام والاستقرار الاستراتيجي فيه تحت مظلتها».

وبعد ذلك، يطالب صاحب المقال بتوكيل دول إقليمية تحقق الضبط الاستراتيجي في منطقتها وتنوب عن التدخل الأمريكي المباشر!

إنها الدول الإقليمية التي لها خصوصيات جيوسياسية تمكنها من تقديم طرح بديل غير تقليدي، وهو التعاون غير الاندماجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن ضمن هذه الدول الجزائر مع ضرورة الإبقاء على مصالح معينة لأمريكا تحت التقدير الاستراتيجي للجزائر في كيفية المحافظة عليها، وبالأخص في الجوانب الاقتصادية والأمنية، وبالمقابل فإن الجزائر- يؤكد صاحب المقال- «تضمن بذلك عدم تدخل أمريكي مباشر في الإقليم من دون ضغط خارجي لإجبارها على الانخراط في مشروع أمريكا أو رؤيتها للعالم».

صاحب المقال، لم ينس أن النظام العسكري الجزائري الذي يتخذ من القضية الفلسطينية أصلا تجاريا لشطحاته الديماغوجية، وحاول أن يقفز على الكثير من الحقائق والمعطيات وقدم تحليلا متناقضا وغريبا: «توجهات الجزائر في هذه القضية ليست بالضرورة توجهات مندمجة أو منصهرة مع استراتيجيات بعض المحاور في الشرق الأوسط، وكذا ليست بالضرورة توجهات مناهضة أو معادية لأمريكا، وأيضا هي ليست توجهات ترفض بالضرورة الحلول السلمية، وبهذه الرؤية الأشمل يمكن فهم موقف الجزائر مع فهم أيضا وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية»!

بقي أن أشير إلى أنه ينصح بالابتعاد عن النرجسيين -وقانا الله وإياكم منه-، إنهم يسعون للانقلاب في أي لحظة، بل وطعن من يحيطون بهم بمنتهى البساطة ودون أن يشعروا بالذنب، كما أنه يجب التذكير أنه لا يوجد علاج دوائي لاضطراب الشخصية النرجسية وأن مقاربة العلاج تعتمد على العلاج النفسي السلوكي الذي يعمل على تعليم النرجسي طرق وأساليب جديدة للتفكير والتعامل مع الآخرين… وهذا هو الدور القادم الذي ستعالجهم به الولايات المتحدة الأمريكية… والأيام بيننا.

إن الميتولوجيا اليونانية تذكرنا بمصطلح نرجسية (Narcissism)، حيث تحدثنا عن شخص اِسمه نرسيس كان شديد الإعجاب بجماله، وكان لا يكف عن النظر في وجهه على صفحة ماء بحيرة إلى أن دفع حياته ثمنا لهذا وانتهى به الأمر غريقا… وبه وجب التذكير والإخبار…

 

للإشهار على جريدة آراء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
حمل تطبيق آراء الآن