الدكتور بنطلحة يكتب: تبون… والذهاب إلى كانوسا
رأيفي حوار صحفي للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون جمعه بوسائل إعلام محلية، يعتبر الأول من نوعه منذ إعادة «انتخابه» لولاية ثانية،قال ردا على سؤال صحافي يتعلق بزيارته لفرنسا إنه «لا يخضع لأوامر أحد».
وأكد تبون، قائلا: «لن أذهب إلى كانوسا»، وهي عبارة فرنسية تعود إلى تعبير تاريخي شهير يرتبط بحادثة حصلت في عام 1077 حين اضطر الامبراطور الألماني هنري الرابع للذهاب إلى قلعة «كانوسا» في إيطاليا للاعتذار للبابا غريغوري السابع بعد صراع طويل، وبعدها أصبحت الحادثة رمزا لعدم الخضوع للأوامر.
السيد الرئيس، ودون الدخول في كيفية خلق مقاطعة فرنسية تُدعى الجزائر، تتلقى الأوامر بصفتها «دولة» وظيفية… أخبركم السيد الرئيس، وأنتم سيد العارفين، أن عظمة الدول لا تقاس فقط بالتدبير السياسي في الفترات الطبيعية، بل بقدرتها على مواجهة لحظات الشدة وكيفية التحكم في زمام الأمور.
التاريخ يسجل، سيدي، أن المغرب عبر تاريخه الطويل تمرس على مواجهة المؤامرات والدسائس الأجنبية، وقد راكم من الخبرات في استباق ومواجهة الأزمات بحكمة ومقدرة كبيرتين… لذلك لن تحركه غيمة شاردة لأن بيته من حديد.
وللتذكير، فالمغرب دولة ذات سيادة، وللحديث عن علاقة السيادة بالقانون الدولي حري بنا أن نعود بكم إلى معاهدة ويست فاليا لسنة 1648، والتي تعتبر أول اتفاقية دبلوماسية تنظم العلاقات القائمة بين الدول، وتتأسس هذه الاتفاقية على مجموعة مبادئ، أهمها مبدأ الاحترام المتبادل لسيادة الدول، وهذا هو شعار المملكة المغربية الشريفة عبر التاريخ.
السيد الرئيس لقد أثار استغرابي حين صرحتم في هذا الحوار أن «الشعب المغربي شعب شقيق، وطرد المغاربة من الجزائر كلام فارغ… ومرحبا بهم يعيشون وسط الشعب الجزائري…».
صدقني السيد الرئيس وبعد سماع هذا الكلام السحري، الذي يفيض محبة وإنسانية، تذكرت عام1975، حين أقدم النظام العسكري الجزائري على طرد 45 ألف مغربي مع تجريدهم من ممتلكاتهم وتشتيت أسرهم، رغم أنهم حينها كانوا يقطنون بشكل قانوني بل وساهموا في بناء الجزائر!
التاريخ، السيد الرئيس، يسجل أن الجزائر لم تحترم الدلالات الدينية والاجتماعية والإنسانية حين هجر أشقاؤكم المغاربة في عيد الأضحى بشكل قسري تجاه وطنهم.
لقد تعرضت أسر للتهجير والشتات في إطار جريمة بشعة ضد الإنسانية وهي لا تسقط بالتقادم، كما تتنافى والقانون الدولي حين سيق الشيوخ والنساء الحومل والأطفال الرضع دون ذنب ارتكبوه سوى أنهم مغاربة!
السيد الرئيس، وفي حديثكم الصحفي هذا، قلت إن «القانون الدولي لم يعد موجودا وقد حلّ محله قانون الأدغال… القوي يأكل الضعيف…».
ترى وباسم قانون الأدغال هذا، كم أكلتم من ضعيف؟ وكم استأسدتم على النساء والعجزة؟ وكم زرعتم من مسحة حزن وذهول على مُحيّا أطفال تائهين؟
السيد الرئيس، لقد فرضتم، وكما صرحتم، التأشيرة لـ«دواعي أمنية بحتة خوفا من العملاء والجواسيس»، وزدت متسائلا: «ما الذي يدفع هؤلاء لزيارة أماكن حساسة مثل الموانئ؟».
نعم، السيد الرئيس، من يدخل الميناء آثم، من يقف في الطابور آتم، من يستنشق هواء الله آثم ومتهم… والكل يتهم الكل في حفل تنكري بئيس… ذا لن نذهب إلى كانوسا…