الدكتور محمد نشطاوي يكتب ” كنت آمل ..
بقلم :الدكتور محمد نشطاوي : اختتمت القمة العربية/الاسلامية أشغالها بإصدار بياني ناري ضد الاحتلال الاسرائيلي، وضد القوى الغربية التي تساندها ضدا على كل المواثيق والاعراف والقواعد الدولية التي تنص عل حماية المدنيين والنساء والاطفال، وحماية المستشفيات ودور العبادة والطواقم الطبية.
اختتمت القمة وسط تصفيق وقبول وإشادة حارة من قبل الشعوب العربية، بأن القادة العرب اصطفوا جميعا لنصرة قضية شعب عانى ويعاني منذ عشرات السنيين من كل أشكال الظلم والقتل والاعتقال والتعسف والتهجير والطرد والتصفية دون أن يجد من ينصره.
شجبت القمة العربية كل أشكال العدوان وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وحرب الابادة التي ترتكبها إسرائيل بتواطئ غريب من قبل قوى ودول لطالما شنفت أسماعنا بضرورة احترام القانون الدولي وحماية واحترام حقوق الانسان.
أدانت القمة العربية/الاسلامية سكوت الاعلام الدولي عما تعانيه غزة، وفي القرن الواحد والعشرين، من وحشية قل نظيرها، وغطرسة ضربت عرض الحائط كل ما كنا ندرسه و”نؤمن به” من مبادئ وتعاليم قانونية وحقوقية ودينية، واعراف ومواثيق لطالما كانت بالنسبة لنا سلاحا نتشبث به في مواجهة غرب قاس وظالم وانتهازي.
أصرت القمة على ضرورة قطع العلاقات وإيقاف مسلسل التطبيع مع إسرائيل، وفرض حصار اقتصادي ضدها وضد من يدعمها، معلنة عن نفسها قوة من أزيد من خمسين دولة، وأكثر من مليار مسلم في مواجهة قوى عاشت وتعيش من فرقتها وبث نار الفتنة بينها.
رفعت القمة من خلال بيانها الختامي شعار المواجهة، وأعلنت النفير لاسترجاع القدس ومعها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، بل وفتح باب الجهاد لكل الشعوب العربية ضد هذا الكيان الغاصب، وهذا الورم الخبيث الذي زرعه الغرب في رحم الأمة العربية.
وفجأة، أحسست بصفعة قوية على خدي، وهزة عنيفة انبرى لها كل جسدي، وسمعت صوتا لم أألفه من قبل يعنفني بقوة بين سب وشتم ودفع، “ما هذا الذي تحكي عنه؟ هل تهامست مع شخص آخر في حلمك عن نواياك العدوانية؟ نحن نراقب كل شيء، تدويناتكم، همساتكم، أحلامكم، نواياكم. إنا لكل أفعالكم مراقبون، مادمنا نملك كل وسائل الاعلام، وكل الوسائط الاجتماعية وكل شيء انتم له مستخدمون”.
“لقد تماديت في أحلامك، هل تظن أن العرب قادرين على فعل ما كنت تدعيه؟ تكلتك أمك، شتان بين كلامك وواقعك. كيف تجرؤعلى مثل هذه الأفعال المشينة؟ أتحسب أننا عن أحلامكم غافلون؟ إنا ها هنا قاعدون، وعلى أحلامكم وآمالكم مجهزون، ولفرقتكم وخلافاتكم عاملون، بين سني وشيعي، تقدمي ومحافظ، إسلامي وعلماني، مطبع وممانع، متربصون”.
فاستيقظت على وقع هذا العنف المنقطع النظير الذي طال حتى حلمي، وذهبت مسرعا لتبديل ملابسي الداخلية بعد أن فعل بي ذلك ما فعل، وكنت حسبته هزة ارتدادية من تبعات الزلزال الذي ضربنا منذ شهرين، محتسبا، داعيا ربي لإزالة الغمة والانتقام من عدو يتجهمنا، وقريب تملك أمرنا.
وهكذا اكتشفت أن القمة العربية/الاسلامية تفرقت حتى قبل أن تجتمع، واقتصرت على الشجب والادانة واللمز من تحت الطاولة دون تهديد أو وعيد، وبقيت الأم الغزاوية تبكي أبنائها والشيخ ينتظر أحفاده، والأطباء يداوون جرحاهم بالدعاء وأمل أن يأتي الدواء، والبقية تبحث عن الماء والغذاء والهواء.
انفض الجمع، وحققت القمة مرادها، فقد أزبد العرب والمسلمون وأرعدوا، وتركت غزة لمصيرها بين متشف وعاجز وقليل الحيلة، لكن هاته المرة استعملت حفاضة مخافة أن أبلل ثيابي مرة أخرى، فلا أحد يضمن أن أحلم مرة أخرى بشيء قد يعرضني لما عانيته في الليلة الماضية.
أما غزة واهلها فلهم رب كريم ورحيم، كتب عليهم أن يعولوا على أنفسهم في وقت كان التخاذل أمام الأعداء وضعف الإيمان والوهن والبعد عن أسباب النصر سببا كافيا لهزيمتنا. لقد علمتنا غزة معنى الرجولة في وقت أصبحنا فيه أشباه الرجال، ومعنى العزة ونحن أذلة.