الجزائر: من يقف وراء هذه النيران؟
بقلم الدكتور بنطلحة الدكالي : أياما قليلة بعد زيارة الرئيس الجزائري لبكين، والتي صرح فيها بأن بلاده «تخطو خطوات ثابتة للارتقاء إلى مرحلة جديدة، بوصفها قوة عسكرية واقتصادية ودبلوماسية في القارة الإفريقية»، حيث أكد الرئيس الجزائري أن بلاده قدمت طلبا رسميا لأن تكون عضوا مساهما في بنك تجمع «بريكس» الاقتصادي بمبلغ يقدر بمليار ونصف المليار دولار، وأكد أن الجزائر تعمل على الانضمام إلى مجموعة «بريكس» نظرا لأن «الجزائر تتوفر على معظم الشروط المطلوبة للانضمام إلى هذه المجموعة».
نعم إن الجزائر «القوة الضاربة»، والتي يبلغ ناتجها الداخلي الإجمالي لسنة 2021، حسب بيانات صندوق النقد الدولي نحو 164 مليار دولار، حيث يعتمد اقتصادها أساسا على إيرادات المحروقات والتي تمثل نحو 90% من عائدات البلاد من النقد الأجنبي، والتي تنفق معظم هذه المداخيل في شراء سلاح الخردة، والتي من شأنها أن تساهم في تدعيم اقتصادات دول البريكس، والتي هي بالمناسبة من بين الأعلى نموا في العالم، عن طريق إرشادهم إلى تجربتها الملهمة في كيفية إعداد الطوابير ونهب أموال الشعب وتكديس الثروات في الأبناك العالمية، والاستخفاف بأرواح المواطنين، ولهم في مشاهد الحرائق المنتشرة في كل مكان بالجزائر، الحجة والدليل على الواقع الحقيقي للقوة الضاربة، حيث تسببت ألسنة النيران في مقتل العشرات من إخوتنا في الجزائر والذين واجهوا مصيرهم لوحدهم، أمام عمليات إطفاء جد متخلفة، حيث اكتفى عناصر الحماية المدنية بخراطيم المياه، بينما حلقت طائرتان صغيرتان مستأجرتان بطلعات استعراضية لأنهما بالمناسبة لايصلحان إلا لرش المبيدات..!!
الجزائر القوة الضاربة في إفريقيا والتي تتطلع إلى إقامة شراكة جزائرية- صينية في مجال الفضاء، كما أكد تبون في الصين حين تمادى في حكيه وعنترياته ،لا تتوفر وياللأسف على أسطول طائرات لإطفاء الحرائق، بل وشهد شهود من أهلها على ذلك، لقد ذكر حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض في بيان له: «غياب استراتيجية وطنية تتعلق بالوقاية من الكوارث الطبيعية وتسييرها»، كما أن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجه بدوره سهامه نحو السلطات، وتساءل عن «مصير وعود السلطات قبل عامين التي تحدثت عن تخصيص موارد كبيرة لتوفير طائرات الإطفاء»، مشيرا بالمقابل إلى «غياب إدارة ناجعة للكوارث وتنظيم الإغاثة في أوقات الخطر»، ونجد أن مدير استغلال الأرصاد الجوية والمناخ بالديوان الوطني للأرصاد الجوية السيد صالح عابد صحابي أكد أنه «ليس من المستبعد أن يتكرر هذا الأمر في المستقبل القريب بشكل أكثر حدة وصعوبة ويدوم لفترة أطول، مما يتطلب إنشاء مركز إنذار مبكر يخص مختلف الأخطار»، ويرى الباحث الجزائري الأستاذ شناقر هشام، وهو مختص في البيئة في المدرسة العليا للغابات بالجزائر، إنه يجب العمل على «ضرورة التخلي عن التسيير التقليدي للغابات مقابل العمل على الإدارة المستدامة كنهج أثبت جدواه في التصدي الفعال لمخاطر حرائق الغابات في كثير من الدول مع تحديث معدات مكافحة الحرائق وأساليب إطفائها».
لكن يبدو أن النظام لا يأبه لصوت العقل ولاتهمه أرواح الأبرياء، بل يبرر عجزه وفشله ببلاغات كاذبة وبيانات تضليلية، حيث يعمد إلى تشتيت الانتباه وتعويم النقاش وإلهاء الرأي العام، عبر تقديم قرابين والزج بأبرياء، حيث أعلن النائب العام لدى مجلس قضاء محافظة بجاية في الجزائر عن توقيف 14 شخصا مشتبها بهم في إضرام حرائق الغابات بشكل متعمد في سيناريو شبيه بالمشاهد التي أدمت قلوب أشقائنا في الجزائر العام الماضي، وفي نفس الاتجاه كشف النائب العام لدى مجلس قضاء سكيكدة عن توقيف ثلاثة مشتبه فيهم من بينهم امرأة تم تقديمهم وفق إقليم الاختصاص بمحكمتي القل والحروش، وفي وقت لاحق أعلن النائب العام لدى مجلس قضاء بجاية عن توقيف شخصين جديدين للاشتباه في اندلاع حرائق الغابات بالمحافظة ذاتها.
لكن هل يملك القضاء الجزائري الجرأة لفتح بحث معمق ومحايد ونزيه في ماصرح به فرحات مهني رئيس الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل الذي وجه طلبا للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لتوفير الحماية الدولية لسكان المنطقة، متهما السلطات الجزائرية بافتعال حرائق الغابات معتبرا أن الأمر يتعلق بعمل من أعمال الحرب ومحاولة جديدة للإبادة في حق شعب القبائل هي الثانية في أقل من سنتين؟ ذلك سؤال عريض بات يطرحه الشارع الجزائري: من يقف وراء هذه النيران؟!