بنطلحة يكتب: المغرب واستراتيجية الاختراق الإفريقي
بقلم الدكتور محمد بنطلحة الدكالي
لقد أصبحت الساحة الدولية مسرحا للعديد من الأحداث والتحولات، و عرف حقل العلاقات الدولية العديد من التفاعلات التي تجسدها السياسة الخارجية للدول والتي تتمثل في التدبير الجيد للعمل الدبلوماسي من أجل تحقيق المصالح الوطنية العليا.
في هذا الإطار يجب أن نستحضر أن الدبلوماسية المغربية تعي جيدا أن هدفها الأساسي يتمثل في إيجاد الكيفية الإيجابية التي تؤدي بها إلى تحقيق أهدافها، وفق رؤية طويلة الأمد تستند إلى المعطيات والتوازنات الإقليمية والدولية وتجعل معيار المصلحة ضابط السياسة الخارجية، مما أعطى دينامية جديدة لملف الصحراء المغربية، وشكل صدمة كبيرة في محيط أعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وتحولا على مستوى التكتلات الإفريقية، بحيث أن فتح قنصليات في حاضرتي الصحراء المغربية، مدينتي العيون والداخلة، له دلالات وأبعاد متعددة، لأنه يجسد على المستوى السياسي دعما للوحدة الترابية للمملكة، واعترافا صريحا وواضحا بمغربية الصحراء، وتعبيرا عن الثقة في الأمن والاستقرار الذي تنعم به الأقاليم الجنوبية المغربية.
هذه الانتصارات الدبلوماسية المغربية تعد مكسبا كبيرا، لعل أهمها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، حيث ستصبح داعما علنيا للمملكة المغربية عند أي بحث عن تسوية سياسية على مستوى مجلس الأمن الدولي، على اعتبار أن الولايات المتحدة هي صاحبة القلم في قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصحراء.
على مستوى الأمم المتحدة، جدد المجتمع الدولي دعمه الكامل لمغربية الصحراء، ولمخطط الحكم الذاتي باعتباره حلا واقعيا ونهائيا لهذا النزاع، كما جدد مجلس الأمن الدولي في القرار2548 الذي اعتمده في أكتوبر الماضي على وجاهة الموقف المغربي، حيث كرس مجلس الأمن الدولي مرة أخرى سمو مبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها
المملكة المغربية في 11 أبريل2007.
على الصعيد الإفريقي، عمل المغرب على تعزيز شراكة تضامنية مع إفريقيا ، حيث احتلت إفريقيا أولوية السياسة الاقتصادية الخارجية المغربية، مما جعل المغرب ثاني أكبر بلد إفريقي مستثمر في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا.
لقد اختار المغرب التوجه نحو عمقه الإفريقي للمساهمة الفعالة في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي في إفريقيا، حيث يقدم المغرب للسوق الإفريقية الواعدة تجربته ومعرفته ونموذجه الاقتصادي الذي يتكيف جيدا مع السياق الإفريقي.
لقد وظفت المملكة المغربية نهج دبلوماسية اقتصادية عبر آليات وأدوات عديدة في سبيل تعميق تعاونها مع بلدان القارة من جهة، ومن جهة أخرى تحسين تموقعها وتعزيز نفوذها في القارة كقوة إقليمية صاعدة تحاول أن تعزز نفوذها وتقوية مكانتها من خلال لعبها دور الوسيط أو المنصة بين الدول الإفريقية والقوى الدولية.
هذا التوجه المغربي الجديد غير موازين القوى الدبلوماسية والاقتصادية داخل القارة، وحصلت المملكة من خلاله على دعم كبير أثناء قرار العودة إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017 بعد غياب دام ثلاثة وثلاثين سنة.
إنه ومنذ هذا التاريخ وضع المغرب بين عينيه وبنفس طويل وديبلوماسية هادئة وواقعية، طرد كيان ” البوليساريو” من الاتحاد الإفريقي، حيث يلزمه جمع أصوات ثلثي الدول الأعضاء، الأمر الذي تعيه جيدا الجزائر والتي تجند الأموال وسلاح الطاقة من أجل شراء الذمم وجلب الدعم للطرح الانفصالي.
إن أكبر الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إليها الدبلوماسية المغربية هي طرد مرتزقة البوليساريو من الاتحاد الإفريقي، وهي ترتهن للزمن عوض الارتهان حاليا على حقها التاريخي، محاولة حشد الدعم من القوى ذات التأثير الوازن داخل المنظمة والذي ينفي القاعدة الحسابية( ثلث الأعضاء)، في هذا الإطار يجب أن نستحضر دولة جنوب افريقيا وقوة تأثيرها على الدول المحيطة بها، وأن لاشئ مستحيل في قاموس الخطاب الدبلوماسي، لذا يجب التخطيط بهدوء واستراتيجية ترتهن إلى لغة المصالح، من أجل استقطاب الخصوم التقليديين لوحدتنا الترابية مثل نيجيريا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا.
في هذا الإطار يعتبر خط الغاز نيجيريا/ المغرب، أكبر برنامج استثماري على المستوى الإفريقي، سواء من حيث حجمه الاستثماري الذي قد يبلغ 20 مليار دولار، أو من حيث آثاره الاقتصادية متعددة المستويات بالنسبة إلى كل البلدان التي سيمر عبرها هذا الأنبوب، وكذلك المنصة المغربية النيجيرية لتطوير الكيماويات الأساسية المنتجة لمواد الأمونياك والأسمدة في نيجيريا، والتي رصد لها غلاف مالي قدره 1,3 مليار دولار.إنها شراكة استراتيجية تأتي وفق رؤية مشتركة للدولتين الإفريقيتين من أجل تنمية إفريقيا ومن أجل تدعيم شراكة جنوب- جنوب.
إن الدبلوماسية الاقتصادية المغربية تسعى كذلك لتحالف مغربي إثيوبي للولوج إلى الطاقة المستدامة، وذلك تماشيا مع الأجندة الأممية 2030 ، كما لاننسى الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه المكتب الشريف للفوسفاط في هذا البلد غير غافلين طبعا العلاقة الجيدة بين إثيوبيا وإسرائيل.
إن المغرب يحافظ على هدوئه من أجل كسب جولات جديدة في رقعة الشطرنج، طالما أن الخصوم يراكمون أخطاء تمس جوهر الشرعية الدولية، من قبيل التعامل مع الحركات الإرهابية في المنطقة والساحل الإفريقي والمتاجرة في التهريب والمخدرات… ولن تؤثر على المغرب الاستفزازات العقيمة والمناورات اليائسة التي يقوم بها خصوم وحدتنا الترابية الذين باتوا عرضة لعقوبات دولية حيث يضعون أنفسهم في مواجهة مع القانون الدولي.
إن طرد الكيان الوهمي يبقى مسألة وقت، لكن يجب علينا أن نكون في الموعد وأن نستغل جيدا الفرص وأن يكون لنا حس استباقي انتصارا للمصالح العليا للوطن.