ما جديد قانون المفوضية الأوروبية لتعزيز حماية وسائل الإعلام؟
من أجل حماية الديمقراطيات في الاتحاد الأوروبي ينبغي تقوية استقلالية وسائل الإعلام الأوروبية، وعليه تصدر المفوضية الأوروبية قانونا جديدا يعد بتحقيق أكثر من هدف على رأسها تعزيز حرية وسائل الإعلام وحمايتها؟
في تأكيد على أهمية الإعلام، قالت كاتيا سيجرز، عضو البرلمان البلجيكي، إن الحرب « لا تبدأ بالأسلحة وإنما تبدأ بالدعاية والمعلومات المضللة والصحافة الخاضعة لسيطرة الدولة ». وفي مقابلة مع دوتش فيليه قبل إصدار المفوضية الأوروبية لقانون حرية الإعلام الأوروبي، سلطت النائبة البلجيكية الضوء على أهمية حماية الصحافيين ودعم حرية الصحافة من أجل حماية الديمقراطية في التكتل الأوروبي. ومن المقرر أن تصدر المفوضية القانون الجمعة المقبلة بهدف حماية استقلالية الصحافيين والهيئات التحريرية في المؤسسات الإعلامية.
وبموجب القانون، فسوف يُطلب من دول الاتحاد الأوروبي ضمان الحرية التحريرية لمقدمي الخدمات الإعلامية وتعزيز حماية المصادر الصحافية. وقد أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على هذا الأمر في خطاب « حالة الاتحاد » العام الماضي أمام البرلمان الأوروبي إذ شددت على أهمية وقف « من يحاول تهديد حرية الإعلام » في الاتحاد الأوروبي. وأضافت فون دير لاين: « لا يمكن التعامل مع الشركات الإعلامية على أنها مثل باقي الشركات إذ أن ضمان استقلالها يعد أمرا ضروريا وأوروبا في حاجة إلى قانون يحمي هذه الاستقلالية ».وفي إطار ذلك، سوف ينص القانون الجديد على ضرورة أن يكشف مقدمو الخدمات الإعلامية عن الجهات المالكة والإفصاح عن المساهمين من أجل ضمان استقلالية هيئات التحرير.
حماية الصحافيين
الجدير بالذكر أن منظمة « مراسلون بلا حدود » قد ذكرت أن حرية الصحافة في الاتحاد الأوروبي « تقف بين نقيضين » إذ تزدهر حرية الصحافة في بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل النرويج والدنمارك والسويد، لكنها معرضة للخطر في دول أخرى لاسيما بولندا والمجر واليونان. وقد سلط ثلاثة من الصحفيين اليونانيين الضوء على ذلك في جلسة استماع للبرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي من خلال عرض فضيحة تجسس هزت الحكومة اليونانية. وقال ثاناسيس كوكاكيس وستافروس ماليتشوديس وإليزا تريانتافيلو إنهم باتوا هدفا للمراقبة في اليونان بسبب عملهم الصحافي. وقدم مدير الاستخبارات في اليونان استقالته بعد الكشف عن فضيحة تجسس ضد سياسي وصحافي في خضم عاصفة سياسية وضعت حكومة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس في ورطة.
أما في المجر وبولندا فتتعرض وسائل الإعلام المستقلة لحملات قمع من قبل السلطات الحكومية التي تسعى إلى تنظيم ملكية وسائل الإعلام. وفي الوقت الذي استحوذت فيه شركة النفط البولندية العملاقة « أورلين » التي تديرها الدولة، على بعض وسائل الإعلام في البلاد مثل مجموعة تملك 20 صحيفة يومية إقليمية، قام مجلس الإعلام في المجر، الذي يعد منظم وسائل الإعلام على مستوى البلاد، بإسكات محطات إذاعية مستقلة مثل « راديو تيلوس » عبر رفض تجديد الترخيص الخاص بالترددات. ومن شأن القانون الجديد أن يضع نهاية لمثل هذه الممارسات فضلا عن تعزيز حماية الصحافيين وعائلاتهم والحيلولة دون تعرضهم لأعمال تجسس وتهديد من الأنظمة الاستبدادية.
وسوف يضمن القانون أن يكون التمويل المقدم لوسائل الإعلام العامة « كافٍ ومستقر » فضلا عن أنه يطرح لوائح جديدة للإعلانات الحكومية في وسائل الإعلام. وفي مقابلة إذاعية، قالت فيرا جوروفا، نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية لشؤون القيم والشفافية، إن هناك حاجة لمعرفة « الغرض من التمويل وبعبارة أخرى لا نريد من الدول – كما يحدث في بعض الأحيان – أن تقدم تمويلا علنيا لبعض وسائل الإعلام التي تشيد بها ».
من جانبها، دعت منظمة « مراسلون بلا حدود » المفوضية الأوروبية إلى ضمان عدم استفادة أي دولة عضو في التكتل من صندوق التضامن الأوروبي إذا وقع انتهاك لحرية الإعلام بها. وأضافت المنظمة بأنه « يتعين أن يقدم صندوق النقد الأوروبي على إدراج ضمان استقلالية وسائل الإعلام وتعددها ضمن شروط تقديم أموال أوروبية للدول الأعضاء حتى يتم الرد بشكل أفضل على أي انتهاكا خطير ومتكرر لحرية الصحافة ».
وقف حملات التضليل
لكن لا يمكن التطرق إلى حرية الإعلام دون الحديث عن تعزيز الثقة بوسائل الإعلام في أوروبا والعالم بما يشمل وقف حملات التضليل المعلوماتي. وفي بيان، قال كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة « مراسلون بلا حدود »، إن الديموقراطية لا يمكن « أن تقف مكتوفة الأيدي في الوقت الذي تقوم فيه الأنظمة الاستبدادية بنشر دعايتها في أوروبا ».
وأضاف « هناك حاجة لإطار قانوني مناسب، لذا ندعو الاتحاد الأوروبي إلى تطوير منظومة حماية فعالة وقانونية لمنع أن تحابي عولمة المعلومات، الدعاية على حساب الإعلام الحر والمستقل. يجب أن تعزز هذه المنظومة حرية التعبير وتعددية ومصداقية المعلومات على المستوى الوطني ».
وبموجب القانون، اقترحت المفوضية إنشاء مجلس أوروبي جديد للخدمات الإعلامية يتألف من هيئات وسائل الإعلام الوطنية وسيكون منوطا بالمجلس مراقبة تأثير القرارات التنظيمية التي تتخذها الدول على المشهد الإعلامي العام في أوروبا. وستكون المهمة الرئيسية لهذا المجلس معالجة القضايا المتعلقة بالمعلومات المضللة من خلال ضمان التزام وسائل الإعلام بمدونة الاتحاد الأوروبي للممارسات النموذجية ضد المعلومات المضللة.
خطوة إلى الأمام
يشار إلى أنه لم تتم بعد مناقشة القانون من قبل الدول الأعضاء انتظارا لاعتماده بشكل رسمي على مستوى التكتل. وفي هذا الصدد، قال داميان تامبيني، الأستاذ المشارك في قسم الإعلام والاتصالات في كلية لندن للاقتصاد ومؤلف كتاب « حرية الإعلام »، إن القانون الجديد يمكن اعتباره بمثابة « وسيلة لحماية حرية الإعلام الديمقراطي ». ويضيف تامبيني أنه « يعد أفضل الطرق للمضي قدما في حالة تمتع السياسات بالثقة والدعم من المجتمع المدني. وفيما يتعلق بتطوير قانون حرية الإعلام، أظهرت المفوضية الاستعداد للدفاع عن المبادئ الأساسية للديمقراطية. »
وتتفق مع هذا الرأي كاتيا سيجرز، عضو البرلمان البلجيكي، التي أكدت على أن القانون يضع « إطارا يسمح للصحافيين مباشرة عملهم من خلال ضمان معاقبة أي شكل من أشكال الاعتداء ضدهم ». وأضافت أنه سيضمن « عمل منظمي وسائل الإعلام بشكل مستقل، كما سيضمن إقدام الاتحاد الأوروبي على تعزيز البث العام بشكل قوي يضمن الاستقلالية ويضع معايير لعمل وسائل الإعلام التجارية ». وقالت سيجرز إن حرية الصحافة في الوقت الحالي تعد « ركيزة هامة لديمقراطيتنا. لذا يجب علينا حمايتها ».