بقلم الدكتور محمد بنطلحة الدكالي
حدثني أبتي عن تاريخ وطني التليد، وعن ربوع منفية، وعن جرح ينزف من النخيل، وشمس تأبى أن تغيب… حدثني عن عهد الآباء ووصية الأجداد…
ومن نتائج هذه المعركة، أن فرضت فرنسا على المغرب معاهدة للامغنية سنة 1845، التي تركت الحدود مبهمة بين المغرب وفرنسا بالجزائر، وقد وقع المعاهدة عن الجانب المغربي عامل وجدة احميدة بن علي الشجعي ممثلا لسلطان المغرب، وعن الجانب الفرنسي الجنرال كونت دو لاغي (Conte De La Rue)، والتي نصت على: “استمرارية الحدود التي كانت بين المغرب والدولة العثمانية، لتصبح هي الحدود بين المغرب وفرنسا بالجزائر، وأبقت هذه الاتفاقية منطقة الصحراء الشرقية في الجنوب (أي منطقة تندوف) في وضعية غامضة، وهو ما أفضى إلى الانتقاص التدريجي من التراب المغربي.
إن الصحراء الشرقية اعتبرت دوما امتدادا تاريخيا وطبيعيا للمملكة المغربية كما تشهد على ذلك كتابات المؤرخين والرحالة وجل الخرائط التي توجد في أكبر المكتبات العالمية، وتجدر الإشارة أنه لم يتم اعتبار الخطوط الادارية التي وضعتها السلطات الفرنسية على أنها تشكل الحدود الجزائرية المغربية، ومن أجل ذلك قرر المشرع الفرنسي نفسه تطبيقا لمرسوم 5غشت 1933، إعادة تنظيم القيادة الوحيدة للحدود الجزائرية المغربية.
هكذا اقتطعت من المغرب مدنا وقرى بأكملها كورارة، تيدي كلت، كلومب بشار، أدرار وتيندوف… هذا بالإضافة إلى منطقة توات بأكملها التي كانت امتدادا جغرافيا وقبليا لمنطقة تافيلالت المغربية، وجل سكان هذه المناطق كانوا يؤدون الضرائب باسم السلطان المغربي، كما أن صلاة الجمعة والأحكام القضائية كانت تنطق باسمه، وتربطهم رابطة البيعة لإمارة المؤمنين.
إن الفرنسيين في الجزائر لم يحددوا بصفة نهائية الحدود الممتدة من فجيج في الجنوب الشرقي إلى عين صالح، أي كامل حدود الصحراء الشرقية.
لقد قام الفرنسيون بتسطير الحدود بين المغرب ومقاطعة الجزائر الفرنسية على مقاسهم وبشكل أحادي، مما نتج عنه قيام مقاومة مغربية شرسة في هذه المناطق.
واليوم تعلن فرنسا عن نيتها فتح أرشيف ذاكرتها الاستعمارية، لذا نحن المغاربة نطالبها أن تفرج عن الوثائق الخاصة بالفترة الاستعمارية في الجزائر وترفع عنها السرية، وتكشف عن الجوانب الخفية لعملية ضم أراضي الصحراء الشرقية المغربية للجزائر في إطار مشروع الامبراطورية الفرنسية في جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث ظلت الصحراء الشرقية المغربية بخيراتها بيد فرنسا إلى حدود سنة 1962 عندما تخلت عنها باريس بغير وجه حق للجزائر، حيث انتقلت الصحراء الشرقية من الاحتلال الفرنسي إلى الاحتلال الجزائري.
لقد تشبث المغرب دوما بوحدته الترابية، وبحقه التاريخي في الأراضي المغتصبة، بينما أصرت الجزائر على قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار، وبقيت منذ ذلك الوقت تضمر العداء للمملكة المغربية.
إن أبناء الصحراء الشرقية، ظلوا طوال هذا التاريخ يناضلون بالرجوع إلى حضن الوطن، حيث قاموا بالعديد من الانتفاضات، مما عرضهم إلى التعذيب والنفي في غياهب السجون، ولعل ملحمة 2005 لخير دليل على ذلك، حيث عبر مواطنون بعين صالح وبشار والقنادسة عن مغربيتهم، ورفعوا شعارات ضد الحكام الجزائريين حيث كتبوا على الجدران “نحن مغاربة ولسنا جزائريين”، وقد تعرض العديد منهم للقمع والتعذيب والتنكيل.
– طيب يا أبي، وهل قام النظام الجزائري بمسح تلك الكتابات من الجدران!؟
– إن الحقيقة يا بني أكبر من أن تتوارى على الجدران…